Imprimer

 ✥ القديس النبي يونان:

 

هو يونان الذي يتحدث عنه السفر المعروف باسمه، وهو أحد أسفار الأنبياء الاثني عشر الصغار، من مجموعة كتب العهد القديم. صار قول الرب إليه هكذا: قم اذهب إلى نينوى، المدينة العظيمة، وناد عليها لأنه قد صعد شرّهم أمامي. فلم يرد أن يذهب بل قام وهرب وجاء إلى سفينة مسافرة إلى ترشيش. وفي الطريق، فيما كانت السفينة في عرض البحر، أرسل الرب عليها ريحاً شديدة فحدث نوء عظيم حتى كادت السفينة تفرق. وإذ خطر ببال البحارة أن يكون أحد المسافرين سبب هذه المصيبة التي ألّمت بهم لخطيئة شنيعة ارتكبها، ألقوا القرعة فيما بينهم فوقعت على يونان. فاعترف يونان بأنه هارب من وجه ربه. وعلى كلمة يونان، أخذه البحارة وطرحوه في المياه فهدأت العاصفة. أما الرب- كما يقول السفر- فقد أعد حوتاً عظيماً ليبتلعه. فكان يونان في جوف الحوت ثلاثة أيام وثلاث ليال. وصلّى يونان إلى الرب، إلهه، فأصغى إليه وأمر الحوت فقذف بيونان إلى البر. وصار قول الرب إلى يونان من جديد: قم اذهب إلى نينوى، المدينة العظيمة، وناد لها بالمناداة التي أنا مكلمك بها". فقام يونان هذه المرة وذهب صاغراً. ونادى يونان في نينوى أن الرب مزمع، في أربعين يومأ، أن يخرب المدينة بسبب طرقها الرديئة وكثرة الشرور فيها. ولكن، نخس أهل نينوى إلى قلوبهم فقاموا بنفس واحدة ونادوا بصوم ولبسوا المسح من الكبير إلى الصغير - حتى البهائم صوّمت - وصرخوا بصوت عظيم سائلين العلّي العفو والرحمة. فلما رأى الرب الإله توبة المدينة عدل عما كان مزمعا أن يصنعه بها. ولم يرق الأمر ليونان لأنه ظنّ أن مجيئه إلى نينوى كان بلا فائدة وأنه تجشّم مشقّات السفر سدى. ثم إنه كان يعرف أصلاً، على حد تعبيره، أن الرب الإله رؤوف رحيم، بطيء الغضب وكثير الرحمة، وسيغفر لأهل نينوى ذنوبهم في نهاية المطاف. هكذا بدا يونان باراً في عين نفسه. وأراد الرب الإله أن يلقّن يونان درساً. فما إن خرج إلى مكان يطل على المدينة منتظراً ما سيحلّ بها، أنبت له الله يقطينة في يوم واحد، ارتفعت وظلّلته، ففرح بها يونان فرحاً عظيماً. ولكن، أرسل الله دودة، مع الفجر، نخرت اليقطينة فجفّت. ثم طلعت الشمس ويبّستها. فاغتاظ يونان جداً وطلب لنفسه الموت. فنظر الله إلى غيظه وقال له: أتظن نفسك على حق في ما أنت فاعل؟ أشفقت على اليقطينة ولم تتعب فيها ولا ربيّتها، وكانت بنت يومها، أتريدني ألا أشفق على أهل نينوى وقد تابوا إليّ ؟!

في العهد القديم: ذكر يونان النبي في مكانين:
1- في سفر يونان.
2- في سجل ملوك بني إسرائيل.، حيث نجد سيرته في سفر الملوك الثاني (2مل25:14)، وهناك نتعرّف على اسم والده ومكان إقامته، وأيضًا على اسم الملك الذي كان يحكم البلاد في وقته.
في العهد الجديد:
- في حوار الرّب يسوع مع الفرّيسيّين: "جيل شرير وفاسق يطلب آية، ولا تعطى له أية إلا آيّة يونان النبي. لأنّه كما كان يونان في بطن الحوت ثلاثة أيام و ثلاث ليال، هكذا يكون ابن الإنسان في قلب الأرض ثلاثة أيام وثلاث ليال" (مت39:12-40)
- رجال نينوى سيقومون في الدين مع هذا الجيل ويدينونه لانهم تابوا بمناداة يونان.وهوذا اعظم من يونان ههنا (مت 41:12)
* يرى القدّيس كيرلّس الكبير  أن السيّد المسيح رفض تقديم آية لهم لأنهم طلبوا ذلك بمكر، فقد قدّم لهم قبل ذلك آيات فاتّهموه أنّه برئيس الشيّاطين يخرج شيّاطين. لذا لم يستحقّوا التمتّع بآياته، إذ يقول: [نَبَع طلبهم عن مكر فلم يُستجاب لهم كقول الكتاب: "يطلبني الأشرار ولا يجدونني" (هو 5: 6)... لهذا لم يرد أن يقدّم لهم آية أخرى، فلا يقدّم القُدْس للكلاب ولا يُلقي الدُرر للخنازير، إذ كيف يستحق هؤلاء الذين قدّموا افتراءات مرّة على المعجزات التي تمت أن يتمتّعوا برؤية معجزات أخرى...؟ لهذا قال لهم أنه لا تعطى لهم سوى آية يونان التي تعني الصليب والقيامة من الأموات. بهذا نرى أن السيّد أراد أن يؤكّد لهم بأن الآية ليست عملًا استعراضيًا، وإنّما هي عمل إلهي حقّقه الرّب يسوع بنفسه وغايته خلاص الإنسان. أمّا ارتباط يونان بشخص السيّد المسيح فهو ارتباط الرمز بالمرموز إليه، ويكمل القدّيس كيرلس الأورشليمي فيقول: "إن كان يونان قد ألقيَ في بطن الحوت، فالرّب يسوع نزل بإرادته إلى حيث حوت الموت غير المنظور، ليجبره على قذف الذين كان قد ابتلعهم، كما هو مكتوب: "من يد الهاوية أفديهم، من الموت أخلِّصهم".
* ويقول القدّيس باسيليوس الكبير: أعطاهم علامة لكن ليست من السماء، لأنّهم لم يكونوا يستحقّون رؤيتها، إنّما من أعماق الجحيم، أعنى علامة تجسّده ولاهوته وآلامه وتمجيده بقيامته بعد دخوله إلى الجحيم ليحرّر الذين ماتوا على رجاء.
* كذلك يقول القدّيس أمبروسيوس: آية يونان ترمز لآلام ربّنا، وفي نفس الوقت شهادة ضدّ خطيّة اليهود الخطيرة التي يرتكبوها. بأهل نينوى يُشير إلى العقاب (إذ يقدّم اليهود العذابات للسيّد المسيح) وفي نفس الوقت الرحمة، فلا ييأس اليهود من المغفرة إن مارسوا التوبة. لقد تمتّع أهل نينوى بيونان الكارز المنطلق من بطن الحوت، أمّا نحن فتمتّعنا بيونان الحقيقي القادر أن يطلقنا من أعماق الهاوية ويدخل بنا إلى ملكوته السماوي:"هوذا أعظم من يونان ههنا".
صار لنا أيضًا من هو أعظم من سليمان، الذي لا يحدّثنا بكلمات حكمة فحسب، بل يطرد عنّا مملكة إبليس. فقول السيد المسيح لا يؤكد فقط حقيقة يونان، بل حقيقة دخوله إلى جوف الحوت كرمز لدفنه وقيامته.  وذكره السيد المسيح مرة أخرى في تبكيته لليهود: "رجال نينوى سيقومون في الدين مع هذا الجيل ويدينونه؛ لأنهم تابوا بمناداة يونان" (مت41:12).
خلاصة: ها في وسطنا من هو أعظم من يونان الذي اجتذب أهل نينوى للتوبة، وأعظم من سليمان الذي جاءت إليه ملكة التيمن من أقصى الأرض تسمع حكمته. ها في وسطنا خالق يونان، وخالق أهل نينوى وخالق سليمان وخالق العالم كلّه. إنّه الله المتجسّد الذي أتى بنفسه ليعيدنا إلى الملكوت.