Imprimer


✥ السِّنْكسَار ✥
✥ تذكار الأجداد القديسين: في الأحد الواقع بين 11و17 كانون الأول تقيم الكنيسة تذكار أجداد المسيح يسوع بحسب الجسد، ومعهم تذكار جميع آباء العهد القديم الذين لهم علاقة بالمخلص:
1- الذين قبل الناموس، وعلى الأخص آدم الأب الأول، واخنوخ وملكيصادق، وإبراهيم خليل الله، واسحق ثمرة الموعد، ويعقوب وأبناؤه الاثنا عشر رؤساء الأسباط.
2- والذين بعد الناموس، وعلى الأخص موسى وهرون ويشوع بن نون وصموئيل وداود، والأنبياء الأربعة الكبار وهم اشعيا، وارميا، وحزقيال ودانيال والأنبياء الصغار الاثنا عشر، وايليا واليشع وزخريا ويوحنا المعمدان سابق الرب.
3- أخيراً العذراء مريم الوسيطة بين الجنس البشري والكلمة ابنها المتجسد ذلك أن الرب يسوع لم يأتِ لينقض الناموس والأنبياء، بل ليكمل عمل الناموس والأنبياء، وكل الذين سبقوا وحيّوا مجيئه من بعيد وأشعلوا في شعبهم جذوة الأمل بالخلاص الآتي، ويخلص البشرية من الخطيئة والموت ويقيم بدمه العهد الجديد بين الله والبشرية عهد البنوة والمحبة والحياة في الله عهداً يبلغ كماله في أحضان الآب في السماء.
4- هذا التذكار ترى فيه الكنيسة توطئة لعيد الميلاد وغايتها منه أن تخلق في المؤمن جوا من الانتظار والرجاء والشوق للتجسد الإلهي.
كَمَا أنّها تُكرِّمهم لأسباب شتى ولو تركزت جميعها حول مسيح الرب:
+ بعضهم لأنه خدم السيد بأمانة.
+ بعضهم لأنه عبد السيد برأي مستقيم.
+ بعضهم لأنه صنع بقدرة الله قوات.
+ بعضهم لأنه كان رسماً للمسيح.
+ بعضهم لأنه سبق فرسم سر الثالوث وتجسد المسيح
+ بعضهم منَّه المسيح الرب بالجسد.
+ وبعضهم لأنه مواعد.
وإذا كان الرب الإله قد وعد إبراهيم وإسحق ويعقوب بمخلص يخرج من صُلبِهم فإنه بالآباء الغرباء عن رعوية إسرائيل "خطب البيعة التي من الأمم". من هنا أن قصد الله كان، منذ البدء، أن يجمع الكل، يهوداً وأمميين، إلى واحد. هذا سبق فرسمه وأعد له بشهود كثيرين من كل أمة في الأرض. لقد ترك الله، على حد قول الرسول بولس، جميع الأمم يسلكون في طرقهم، لكنه "لم يترك نفسه بلا شاهد" ( أعمال الرسل ‪14: 16-17‬). أما وقد جاء المسيح المخلص فإنه "جعل الإثنين واحداً ونقض حائط السياج المتوسط، أي العداوة...لكي يخلق الإثنين في نفسه إنساناً واحداً جديداً ...." "أفسس ‪2: 14-15‬). لهذا السبب تدعو رسالة اليوم إلى خلع الإنسان العتيق ولبس الإنسان الجديد "حيث ليس يوناني ولا يهودي ... لا بربري ولا اسكيثي ... بل المسيح هو كل شيء وفي الجميع" (كولوسي 3).
* أمّا في الأحد الذي يليه، تذكرنا الكنيسة المقدسة بنسب أجداد المسيح (وندعوه احد النسبة ) والأباء من إبراهيم خليل الله إلى يوسف الصدّيق خطيب والدة الإله مريم العذراء، وليس هذا التذكار إلا امتدادا لتذكار أجداد المسيح الإله الذي نقيم تذكاره اليوم.
✥‏ القدّيس الشهيد في الكهنة ألفثاريوس ورفقته (القرن2م): "لقد استأهلت أيها الأب الحلة الكهنوتية. بما أنك سميّ الحريّة الإلهية. وبتعليمك حسن العبادة بجرأة. ثقفتنا بالأقوال والأفعال. وإذ تممت قصدك في الاستشهاد. تلألأت في الأمرين كليهما. ونلت الإكليل مضاعفاً من لدن المسيح الإله. فإليه ابتهل أيها الشهيد في الكهنة أن يخلّص نفوسنا". (ذكصا الإينوس – صلاة السحر).‏ هكذا تخاطب الكنيسة الشهيد في الكهنة ألفثاريوس الذي أبصر النور في مدينة رومية لأب اسمه أفجانيوس كن موظفاً كبيراً في خدمة قيصر وأم تقية اسمها أنثيّا. أبوه، فيما يبدو، كان وثنياً وقد رقد وألفثاريوس طفل. أما أمّه فاهتدت إلى الإيمان بالرب يسوع عبر تلاميذ الرسول بولس مباشرة. ‏نشأ ألفثاريوس مسيحياً وترعرع على محبة الله وحفظ الوصايا. وإذ كان لامعاً وأبدى قدرة فائقة على التعلم، اقترح أحد معلّميه على والدته أن تأخذه إلى أسقف رومية القديس أنيقيطس الحمصي (150-161 ‏م). فلما امتحنه الأسقف وبانت مواهبه غير العادية ونعمة الله عليه أخذه على عاتقه. وُضعت اليد على ألفثاريوس قارئاً وهو في سن الثالثة عشرة وشماساً وهو في الخامسة عشرة وكاهناً وهو في السابعة عشرة وأسقفاً على إلّيريا وهو في العشرين. ويبدو، لروح الله فيه ولفهمه وغيرته، أنه حقّق، في مجال نشر الكلمة بين الوثنيين، نجاحاً كبيراً. كل الوثنيين الذين التقاهم، ‏إما نجح في هدايتهم إلى المسيح أو كانوا يكنّون له احتراماً وتقديراً فائقين. ‏على هذا لم يلبث خبر ألفثاريوس أن بلغ أذني قيصر. وإذ كان القلق قد ساوره بسبب تزايد المسيحيين، أوفد أحد القادة العسكريين الموثوق بهم لديه، واسمه فيليكس، ليلقي القبض على القدّيس. ويبدو أن فيليكس تسلّل إلى المخبأ الذي كان القدّيس يقيم فيه الصلاة. فلما بلغه كان ألفثاريوس يعظ المؤمنين، فانتحى ناحية ووقف يسمع. ولكن ما أن انتهى رجل الله من الكلام حتى تقدّم إليه فيليكس، لا ليلقي عليه القبض بل ليعبّر له عن رغبته في أن يصير مسيحياً. فكلّمه ألفثاريوس بكلام الحياة ثم عمده. بعد ذلك، لم يشأ قديس الله أن يعود فيليكس إلى قيصر فارغاً فالتمس العودة معه. وبالجهد رضي فيليكس أن يصحبه إليه. ‏وقف ألفثاريوس أمام قيصر فسأله هذا الأخير عن إيمانه فاعترف بالرب يسوع إلهاً حقيقياً أوحداً فأحاله على التعذيب. وإذ عمد الجلاّدون إلى ضربه بالسياط وإلى إلقائه على سرير محمى بالنار، ثم إلى سكب الزيت المغلي عليه، لم يتزعزع ولا غيّب الألم كلمة الله في فمه فوبّخ الطاغية على اضطهاده حملان المسيح الودعاء. ‏وعرض أحد خدّام قيصر واسمه خوريبوس، أو ربما خوريمون، أن يُدخل ‏ألفثاريوس إلى فرن للتعذيب كان قد ابتدعه. في تلك اللحظة صلّى رجل الله من أجل هداية أعداء الله لأنهم لا يدرون ماذا يفعلون، فاخترقت النعمة قلب خوريبوس وأنارت بصيرته فاستنار وتغيّر من وحش يتلذّذ بتعذيب الناس إلى حمل وديع هادئ. للوقت أخذ خوريبوس جانب القديس ودافع عنه واعترف بالمسيح أمام الجميع فيما أصيب قيصر والحاضرون بالذهول. ثم إن خوريبوس دخل إلى الآتون الذي ابتدعه. دخل إليه بثقة وجرأة. ولكن أبت النار أن تمسّه بأذى فجرى قطع رأسه، وكذلك فعل الجلادون بفيليكس. ‏أما ألفثاريوس فعانى المزيد من التعذيب وألقي للحيوانات فلم تؤذه. وأن اثنين من الجنود آمنا بالمسيح بفضله وتمت شهادتهما. أخيراً ضرب الجلادون رأسه بالسيف. وما كادوا يفعلون حتى أسرعت أنثيا، والدة القديس، لتضمّ جسد ابنها المخضّب بالدم حباً فهاش إليها الجنود وفتكوا بها، هي أيضاً، فاختلط دمها بدم ابنها. ‏يذكر أن ثمّة من يظن أن أسقف رومية الذي رعى ألفثاريوس كان ‏أناكلتس لا أنيقيطس، وان استشهاده كان في زمن أدريانوس قيصر (117-138‏م) لا في زمن أنطونينوس (138‏-161‏م)، حوالي العام 130‏م. وهناك تقليد ثالث يقول إنه استشهد في أيام القيصر سبتيموس ساويروس (193-211م). يذكر أيضاً أن الشهيد هو شفيع النساء الحاملات اللواتي يسألنه الوضع ‏بالسلامة، وكذلك المسافرين في البحر والمرضى. بهذا المعنى ترتل له الكنيسة في أبوستيخن صلاة غروب العيد، هذا اليوم، الأنشودة التالية: "لقد تحنّنت أيها الأب على النسوة الدانية ولادتهن، الملازمات في هيكلك، وجُدت عليهن بالخلاص، وكذا منحت آخرين مستمدّين منك بحرارة السير حسناً في البحر، وأنك تخوّل الصحة للمرضى، متلألئاً في العجائب". هذا، ويبدو من تيبيكون الكنيسة العظمى في القسطنطينية. من القرن العاشر للميلاد. أن رفات القديس ألفثاريوس، أو بعضها على الأقل، أودعت كنيسة حملت اسمه فوق ما يسمى بالهضبة القاحلة وهي الهضبة السابعة من هضاب المدينة والمدعوّة كسيرولوفوس. أما رفاته اليوم فمع الأخذ في الاعتبار أنه يمكن أن تكون قد اختلطت برفات قديس أخر يحمل الاسم نفسه يعيّد له اليوم وهو معروف باسم ألفثاريوس كوبيكولاريوس، فإنها تتوزع على اليونان وقبرص وفلسطين وربما مناطق أخرى. بين هذه الأمكنة كنيسة القيامة في القدس ودير كيكّو في قبرص وديري كسيروبوتاموس وسيمونوس بتراس في جبل أثوس ودير القديس يوحنا اللاهوتي في باتموس ودير الثالوث القدوس في تسانغارولون (أكروتيري) اليونانية حيث يوجد قسم من جمجمته ودير ديونيسيو في جبل أثوس حيث توجد ذراعه اليمنى.
✥‏ القديس المعترف استفانوس أسقف سوروج (القرن 8م)‏: أصله من بلاد الكبادوك. توحد وسلك في جهاد الفضيلة. ظهر ملاك لجرمانوس، بطريرك القسطنطينية في ذلك الزمان. وأوعز إليه بأن يسيم استفانوس أسقفاً على سوروج التي هي سوداك في الكريمية (البحر الأسود). ففعل. أبدى غيرة كبيرة على كنيسة المسيح وجذب الكثيرين إلى الإيمان. لاقى الأمرين من الإمبراطور البيزنطي لاون الثالث الإيصافري (717-741م) بسبب دفاعه عن إكرام الإيقونات ومقاومة هذا الأخير لها. تنبأ بموت الإمبراطور في وقت قصير. تم ما تنبأ به. عاد إلى سوروج بعد أن كان لاون قد احتجزه في القسطنطينية. لكنه ما لبث أن عانى المزيد من الاضطهاد لأجل الإيمان. درى بيوم رقاده سلفاً وسمى خلفاً له. رقد في الرب في 15 كانون الأول سنة 787م.
✥ ‏ القديسة البارة في الشهيدات سوسنّة (القرن 4م)‏: عاشت في فلسطين في زمن الإمبراطور الروماني مكسيميانوس (286 – 305م). كانت وثنية. لما رقد والدها اقتبلت الإيمان بالمسيح واعتمدت. شاءت أن تسلك في طريق الكاملين. وزّعت أموالها على الفقراء. تزيّت بزي الرجال واتخذت اسم يوحنا ثم نسكت. اتهمت باغتصاب إحدى العذارى. عانت الكثير ولم تدافع عن نفسها. ولكن لما شاء أسقف الفتروبوليس أن يلقي عليه الحرم اعترفت بأنها امرأة. أكبر الأسقف صبرها وفضيلتها وجعلها شمّاسة. ذاع صيتها إلى أن بلغ أذني الكسندروس الوالي. استقدمها وسجنها ثم عمد إلى إلقائها في النار فقضت شهيدة للمسيح.
✥ القديس البار باردوس الفلسطيني المتوحد‎ (القرن6م): امتهن باردوس نقل البضائع على بهيمة كان يملكها. وصل يوماً إلى أريحا فترك بهيمته محملة في الخارج ودخل إلى أحد الخانات. في تلك الأثناء اقترب طفل من البهيمة فجفلت وانتفضت فأوقعت الطفل وداسته فسحقته. خرج باردوس إلى خارج فطالعه المشهد فاضطرب أشد الاضطراب وعضه شعور قوي بالذنب. تعويضاً عما حدث والتماساً للتكفير ترك البهيمة والتجارة والعالم وذهب إلى الصحراء. كان شاباً صغير السن بعد ومع ذلك تعاطى النسك بقسوة. ذرف دموعاً سخية مقدماً عن الطفل توبة عميقة. رغم كل شيء لم يغادره الإحساس بالذنب الفظيع. شاء أن يلقي بنفسه للوحوش تكفيراً فبحث عن أسد في الجوار فلما وجد واحداً ألقى بنفسه أمامه فريسة سهلة فهرب الأسد منه. عرف أن الأسد يمر في طريق ضيق فذهب إلى هناك آملاً أن ينقض الأسد عليه فقفز الأسد من فوقه وعبر دون أن يمسه بأذى. إذ ذاك أدرك أنها ليست مشيئة عند الله أن يهلك كفريسة للضواري. رضخ واتضع واعتبر نفسه حثالة الناس. استمر كذلك إلى أن رقد بسلام في الرب.
✥ القديس الشهيد ألفثاريوس كوبيكولاريوس (القرن4م)‏: من علية القوم في مدينة القسطنطينية. موظف كبير في القصر الملكي ومقرب من الإمبراطور الذي يغلب أن يكون يوليانوس الجاحد. صار مسيحياً. نقل الحساد خبره إلى الإمبراطور. حاول الإمبراطور إعادته إلى الوثنية فلم يُفلح، فأمر بقطع رأسه.
✥ القديس البار مكاريوس أسقف جبل الله المقدس: لا نعرف تماماً من هو سوى أنه أحد أساقفة سيناء ولعله مكاريوس الثالث المرجح أن يكون قد رقد في منتصف القرن الثالث عشر للميلاد (حوالي العام 1252م). ورد ذكره في سنكسار سينائي عربي قديم يرقى إلى القرن الثالث عشر.
✥ ‏ القديس البار بولس لاتروس الجديد‎ ‎‏(+955م)‏: نشأ في آسيا الصغرى في بلدة قريبة من برغاموس. والدته أفدوكيا كانت قريبة القديس يوانيكيوس الكبير (4 تشرين الثاني). له أخ اسمه باسيليوس زوجه ذووه عنوة ففر إلى جبل الأوليمبوس وصار راهباً. رقد أبواه وهو شاب صغير. بات وحيداً في الدنيا وفي أسوأ حال. بعث أخوه فأخذه إليه ثم سلمه إلى بطرس، رئيس دير كاريا في جبل لاتروس، ليهتم به راهباً. كان بولس ممتلئاً غيرة إلهية وسعى إلى الاقتداء بمعلمه في كل أمر. حتى لباسه كان اللباس المستعمل لأبيه الروحي. عامله أبوه بصرامة لأنه أراد أن يدربه على النسك بعدما رأى فيه إناء مختاراً لله. أكد، بصورة خاصة، الجهاد ضد النوم. مرة لاحظه معلمه نعساً مطبق العينيين فصفعه صفعة قوية. من ذلك اليوم خلص من استبداد النوم. ولكي يتعلم أن يكون خادماً للإخوة جعله أبوه في المطبخ. كان كلما أشعل الفرن لإعداد الطعام يأخذ في البكاء ذاكراً نار جهنم. اعتاد أن يخرج إلى البرية ويصعد على شجرة ليصلي. كانت محبة المسيح تلتهمه التهاماً. وكان يطفح نوراً. كثيراً ما بدا جسده مشتعلاً وأصابعه كمشاعل مضيئة. بعدما رقد الشيخ أبوه خرج ورفيق له في الجهاد اسمه ديمتري إلى البرية جنوبي لاتروس. هناك انتشر عدد من النساك وفدوا من سيناء ورايثو هرباً من البدو. أقام في مغارة لا عزاء فيها. تركه رفيقه بعد حين وحيداً وانصرف بسبب قسوة المكان. جاهد هناك جهاداً بطولياً، صلاة متواصلة وصوماً وسهراً وسجدات. قاومته الأبالسة بضراوة لا بالأفكار والخيالات وحسب بل بالظهورات المرعية والضجيج وإلقاء الحجارة. ثماني سنوات قضاها القديس في جهاد لا هوادة فيه عاد بعدها إلى دير كاريا لفترة وجيزة، طاعة لرئيس الدير. خرج إلى البرية من جديد ليستقر على قمة صخرية تشبه العمود الطبيعي. في مغارة لا يُصعد إليها إلا بالسلم. بات معلقاً بين السماء والأرض. كان راع يأتيه من وقت لآخر ببعض الطعام وكاهن بالقدسات. نال حظوة عند الله. ذاع صيته بفضائله وعجائب الله التي أخذت تجري علي يديه. أخذ طلاب الحياة الملائكية يتقاطرون عليه. كانوا يقيمون عند أسفل الصخر ويتبعون مثاله. كل على قدر طاقته وإيمانه. بعضهم انتظم في حياة الشركة وبعضهم انصرف إلى النسك. الفقر الكامل كان سمة الجميع وكذلك الطاعة الكاملة. اهتم بولس بحاجاتهم المادية والروحية وانكبوا هم على تحقيق قصد الله فيهم. مع تنامي الشركة وتدفق الزوار أخذ المكان يفقد بعض من هدوئه. نزل بولس من عموده وطلب أمكنة عالية أكثر عزلة. كان قد أمضى اثني عشر عاماً على العمود لم ينزل فيها عنه مرة واحدة. بقي يتردد على تلاميذه ليفتقدهم. ملاكه الحارس كان يتراءى له بشكل منظور ويهتم بقضاء حاجاته. لم يتوقف سيل الزوار عليه فخرج إلى حزيرة ساموص وأقام في مغارة معزولة. صار له، هناك أيضاً، تلاميذ. ذاع صيته في كل مكان حتى بلغ كريت وبلغاريا وإيطاليا. الإمبراطور البيزنطي قسطنطين السابع البرفيري (913 -959م) راسله. بعدما امتلأ القديس من نعمة الله وتكمل في الوداعة والفرح صار مجرد حضوره أدواء النفس والجسد ويطرد الشياطين ويعزي المكروبين. عرف بقرب نهاية رحلته على الأرض سلفاً. حرر لتلاميذه قواعد الرهبانية. رقد بسلام في الرب في 15 كانون الأول سنة 855م بعدما وعد تلاميذه بأن يصلي لهم على الدوام. شاهد بعض تلاميذه من بعيد ملائكة تحمل روحه وتتجه بها نحو العرش الإلهي. وكانت أيضاً، ساعة موته، علامات وعجائب تأكيداً لقداسته وحسن شفاعته.
✥ تسقّف القديس يوحنا الذهبي الفم على القسطنطينية (397م)‏:‏
في أواخر العام 397 للميلاد توفي القدّيس نكتاريوس (11 تشرين الأول) رئيس أساقفة القسطنطينية مخلفاً وراءه كرسياً يشتهي الكثيرون ملأه. أول هؤلاء كان رئيس أساقفة الاسكندرية، ثيوفيلوس، الذي طالما كان في صراع خفي وأسقف المدينة المتملكة. هذا سارع إلى التحرك في كل اتجاه علّه ينجح في تنصيب أحد أعوانه، ايسيدوروس، فيتمكن من خلاله من وضع اليد على الكرسي القسطنطيني. ولكن حسابات اوتروبيوس الخصي، رئيس الوزراء القوي، كانت غير ذلك فأقنع الإمبراطور أركاديوس بإصدار مرسوم يقضي بتعيين يوحنا، كاهن أنطاكية، رئيس أساقفة على القسطنطينية. طبعاً، صيت يوحنا قبل ذلك كان قد انتشر في كل أرجاء الإمبراطورية. ولكن، كانت هناك مشكلة صعبة: كيف يؤتى بيوحنا من أنطاكية؟ الأنطاكيون لن يرضوا بأن ينتزع منهم واعظهم الأول، وهو نفسه، يوحنا، راهب راهب، لا يحب السلطة فكيف يقنعونه بقبول المنصب الأول في الكنيسة في الشرق؟ لا بد من الحيلة! فبعث أوتربيوس برسالة إلى أستاريوس، حاكم سورية، أمره فيها باستدراج يوحنا سراً إلى خارج المدينة ثم نقله بمواكبة مشدّدة إلى القسطنطينية. وهكذا كان. وارتسم سؤال: من يسم يوحنا؟ وأجاب أوتربيوس: ثيوفيلوس! فأحضر إليه فامتنع. فأخذ رئيس الوزراء ورقة وخط عليها بضعة أسطر ودفعها إلى أسقف الإسكندرية قائلاً: أما أن تسم يوحنا أو توجّه إليك الاتهامات المذكورة في هذه الورقة وتحال إلى المحاكمة. فشحب وجه ثيوفيلوس وسلّم بالأمر الواقع. وفي السادس والعشرين من شهر شباط من العام 398 للميلاد جلس يوحنا على عرش الكنيسة في القسطنطينية. ذاك الذي كان يكره أن يكون في موقع السلطة بات الآن في سدة السلطة الأولى. ذاك الذي كان يكره الترف وجد نفسه محاطاً بمظاهر الفخامة وسكن في قصر بالقرب من القصر الملكي. ذاك الذي كان نصير الفقراء وراعيهم وجد نفسه محاطاً بالأغنياء وعلية القوم. فماذا كان يمكن أن تكون النتيجة؟ صراع مرير وسيرة استشهاد. هذا ما كابده القدّيس يوحنا الذهبي الفم خلال السنوات العشر الأخيرة من حياته كرئيس لأساقفة القسطنطينية.
بعض من أسقفيته: طبعاً، الكل في المدينة كان، حال وصول الأسقف الجديد، في ترقّب، لاسيما المتنفذون من رجال الدولة والموظفين والأغنياء: أي نوع من الأساقفة يكون؟ أما هو فحالما تسلّم عصا الرعاية انطلق في مواعظه النارية فاستقطب جموعاً غفيرة أخذت تتقاطر عليه لتسمعه بغيرة وحماس. ولم يطل به المقام حتى أخذ نهجه يتكّشف وبدأ الناس يتبيّنون أنه راهب جاء يلقي بظله الرهباني على القصر الأسقفي والمؤمنين أجمعين. المتنفذون والأغنياء، لاسيما جماعة القصر الملكي، كان عادياً في التعاطي معهم ولم يبد أية علامة من علامات التذلل والإكرام الزائد لهم. ثم أنه ما لبث أن حمل على حياة البذخ والترف وتقوى الأغنياء المصطنعة المرائية. من جهته هو، التزم خط الفقر الإنجيلي وأخذ يزيل معالم الترف من المقر الأسقفي. يقال في هذا الشأن أنه أفرغ داره من الأثاث الثمين والأواني الفضية وباع الأعمدة المرمرية التي كان سلفه، نكتاريوس، قد اشتراها ليزيّن بها إحدى الكنائس المهمة في المدينة وحوّل الأموال المجتمعة لبناء المستشفيات ومضافات الغرباء والتوزيع على الفقراء. شخصياً، لم يكن عنده شيء. أزال عادة إقامة المآدب الرسمية في مقره ولم يعد يقبل أية دعوة بهذا المعنى، كائناً من كان الداعي، للأجواء الموبوءة التي كانت تسود مثل هذه الموائد لجهة المسايرات واللياقات والأحاديث الدنيوية ومظاهر البذخ مما لم تكن مقاييسه للأمور لتسمح له به. كان يتناول وجباته منفرداً ويكتفي من الطعام والشراب بالقليل يسند به جسده الضعيف المريض. في مقابل ذلك كان كريماً جوّاداً حيال الفقراء والمحتاجين، يهتم بالمرضى والمساجين ويعزّي قلوب المضنوكين والمسحوقين. ولكي يحوّل أنظار الشعب عن الألعاب والمباريات والمسارح وما إليها من تسليات مفسدة للنفس، اعتاد أن ينظم من وقت إلى آخر مسيرات صلوات وترتيل تجوب المدينة من الصباح إلى المساء، ويقيم السهرانات ويدعو الناس إلى حلاوات الصلاة في هدأة الليل. إلى ذلك بدأ حملة لإصلاح ما اعوّج من أوضاع الكهنة. ويشير التاريخ بصورة خاصة، في هذا الشأن، إلى عادة يبدو أنها كانت مستشرية في أيام الذهبي الفم وكانت عثرة للكثيرين: مساكنة الكهنة العازيين للأرامل والعذارى المكرسات. هذه الممارسة أزالها القديس يوحنا تماماً. كما أشار على الأغنياء أن يكّفوا عن الإغداق على الكهنة لأنه رأى البذخ الذي كانوا يعيشون فيه. ولم يوفر الأساقفة، خوفاً منهم، بل ألزمهم بتقديم تقارير مالية بنفقاتهم. وكان طبيعياً أن تؤدي عظاته وإجراءاته إلى تباين المواقف بشأنه. والحق أن الناس انقسموا فريقين: واحداً تحمّس له وآخر تحمّس ضده. المتضرّرون من التدابير الجديدة والذين لم ترق لهم مواعظه المتشدّدة كانوا كثيرين: أساقفة وكهنة وكثيراً من أبناء المجتمع المخملي، والمتنفذين وسيدات القصر المتأنقات المتحذلقات. كل هؤلاء أخذوا يلفقون ويشيعون أخباراً ضده، أنه غير سوي وشاذ ومتكبر وأن انكفاءه وعزلته، يوماً بعد يوم، إن هي سوى للعربدة والمجون وإشباع النهم إلى المآكل الفاخرة المميّزة.
القصر: علاقة صعبة: ويبدو أن علاقة قديسنا بالقصر الملكي، لاسيما بالإمبراطورة أفدوكسيا، كانت حسنة في أول الأمر، كما كان له بعض التأثير على الإمبراطور أركاديوس نفسه. ولكن، ما لبثت العلاقة أن فترت وساءت لأن أفدوكسيا كانت إنسان طموحات وشهوات، وقد تبيّن بعد حين أنها ترمي إلى أبعد من الحكم، إلى نوع من التأليه على طريقة الأباطرة الرومان، وطلب العبادة. وقد عبّر الذهبي الفم عن عدم ثبات علاقتها به بقوله: "تارة تعتبرني ثالث عشر الرسل وتارة تنعتني بيهوذا". ويبدو كذلك أنها كانت تخشى من تأثيره على زوجها وكانت حانقة عليه لتشدده في الكلام على الترف والفسق والرذيلة. كل ذلك ما لبث أن جعلها في صف أعداء يوحنا، وجعل المتضرّرين من تدابيره يسعون إلى إيغار صدرها عليه. ولكن، لم تكن الفرصة قد حانت للإيقاع به والتخلص منه.
حسّاد وأعداء: وكان يتربص بيوحنا عدو لدود آخر هو أسقف الإسكندرية، ثيوفيلوس. هذا كان رجلاً من أبناء هذا الدهر، ذكياً لبقاً متآمراً خبيراً في شؤون التعاطي مع الكبار والمتنفذين. ومع ذلك استمر يوحنا قوياً واستمر صوت الكلمة يرتفع عالياً وتدابيره الإصلاحية طالما لم يرتكب زلة يأخذها أعداؤه عليه. غير أن أموراً حدثت بين العامين 401 403 للميلاد رفعت درجة التوتر ضدّه. فخلال شهر كانون الثاني من العام 401 للميلاد وبعد دعوات متكّررة وجهها إليه اكليروس مدينة أفسس وأساقفة الجوار، خرج الذهبي الفم من كرسيه في جولة دامت ثلاثة أشهر إلى آسيا الصغرى. وقد كلّف صديقاً له، سويريانوس، أسقف جبلة السورية، بتصريف الأعمال في غيابه. فأما جولته فتمخضت عن مجمع عقده في آسيا الصغرى اتخذ قراراً بعزل ستة أساقفة اتهموا بالسيمونية، أي بالوصول إلى سدّة الأسقفية بالرشوة. وثمة من يلقي بظلال الشك على حق يوحنا في عقد مجمع كهذا خارج حدود أبرشيته. هذه كانت ذريعة جعلت أعداءه يتحركون ضدّه بقوة أكبر. من جهة أخرى تبيّن أن سويريانوس، الأسقف وكيل يوحنا، استغل الفرصة وانقلب على صاحبه واتصل بأعدائه. ولما عاد الذهبي الفم إلى كرسيّه كانت الأجواء مشحونة ضده.
الحملة ضده: ثم إن قديسنا، في العام نفسه، 401 للميلاد، واجه مشكلة جديدة هي مشكلة "الأخوة الأربعة الطوال" الذين كانوا رهباناً مصريين على مذهب أوريجنوس طردهم ثيوفيلوس الإسكندري مع ثلاثمئة من أتباعهم. هؤلاء لجأوا إلى القسطنطينية واستجاروا بأسقفها. وقد أحسّ القديس يوحنا بأن المسألة ظلماً فبعث برسالة إلى أسقف الإسكندرية يلتمس منه فيها، وبلهجة تكاد تقرب من التوسل، أن يحلًّ القضية بالحسنى قبل أن تصل إلى القصر. فاعتبر ثيوفيلوس أن هذا تدخل سافر من قبل يوحنا في شؤون لا تعنيه وأنه يأخذ جانب الهراطقة.
وحضر ثيوفيلوس إلى القسطنطينية خلال شهر آب من العام 403 للميلاد وتحرك بسرعة لدى الملكة أفدوكسيا والجماعات الموتورة من أعداء يوحنا. وقد تمكن من عقد مجمع في ضاحية من ضواحي مدينة خلقيدونيا، في قصر السنديانة، هو وستة وثلاثون أسقفاً، تسعة وعشرون منهم حملهم معه من مصر. وقرار المجمع كان عزل يوحنا عن منصبه، كأسقف على القسطنطينية، بناء للائحة اتهامية تضمنت تسعة وعشرين تهمة، تراوحت بين التعرض للملكة بالقدح والذم والتدخل في شؤون أبرشيات أخرى والعادات الصحية المشبوهة التي كانت له كالأكل على انفراد واستعمال الملبّس المحشو بالعسل مباشرة بعد تناول القدسات الإلهية! موقف يوحنا حيال هذا المجمع كان هادئاً. رفض قراراته وطالب بمجمع عام. ولكن لما رأى أن أركاديوس وقّع عليه وأمر بنفي يوحنا لزم الصمت وسلّم بالأمر الواقع.
يوم لك ويوم عليك: ولكن، حدث ما لم يكن في الحسبان فإن زلزالاً هزّ المدينة في اليوم التالي جعل الإمبراطورة أفدوكسيا تشعر بأن الله غاضب عليها فأقنعت زوجها الإمبراطور، للحال، باستعادة يوحنا والتمست منه المغفرة. وعاد يوحنا إلى كرسيه ولكن لفترة شهرين وحسب لأن الإمبراطورة أقامت لنفسها تمثالاً فضياً على عمود الرخام السمّاقي في مقابل كنيسة الحكمة المقدسة (آجيا صوفيا). وقد أثار الحدث حفيظة يوحنا لاسيما للاحتفالات والصخب الذي رافقه. ففي عيد استشهاد القديس يوحنا المعمدان، رفع صوته وقال:"ها هي هيروديا ترقص من جديد وتسخط من جديد، ومن جديد تطلب رأس يوحنا". وطبعاً حمل جواسيس أقواله إلى الملكة فساءها الأمر جداً وعزمت على التخلص منه نهائياً. ومن جديد، صدر مرسوم ملكي يقضي بتجريد الذهبي الفم من سلطاته، فرفض الانصياع. قال: "تلقيت سلطتي في الكنيسة من الله ولا أتركها...". وفي يوم الفصح، السادس عشر من نيسان عام 404 للميلاد، هاجم أربعمئة من النشّابة جموع المؤمنين الملتفين حول القديس يوحنا فلّوثوا الكنائس ونهبوها وضربوا الكهنة وطردوا الموعوظين الذين كانوا ينتظرون دورهم في المعمودية، وفرّقوهم نصف عراة في الشوارع، رجالاً ونساء. في تلك الفترة تعرّض الذهبي الفم لمحاولتي اغتيال نجا منهما بأعجوبة. ولما لم يرد قديسنا أن يعرّض الشعب المؤمن للمهانة وخطر الموت أكثر من ذلك قرّر تسليم نفسه. فودّع خاصته وخرج من الباب الشرقي للكاتدرائية فيما كانت الجموع تنتظره عند الباب الغربي وأسلم نفسه للعسكر. هذه المرة ودّعهم بلا رجعة. ودّعهم وارتحل إلى الشهادة فالموت. وقد عبّر الذهبي الفم، فيما بعد، في رسالة وجهها إلى أسقف اسمه كيرياكوس، عن موقفه الداخلي العميق حيال نفيه الأول والثاني فقال: "عندما أخرجوني من المدينة لم أكن قلقاً بل قلت لنفسي: إذا كانت الإمبراطورة ترغب في نفيي فلتفعل، للرب الأرض بكمالها. إذا كنت ترغب في تقطيعي إرباً فحسبي أشعياء مثلاً. إذا كانت ترغب في رميي في المحيط فلي يونان. إذا ألقيت في النار فالفتية الثلاثة لاقوا المصير عينه. ولو ألقيت للوحوش ذكرت دانيال في جب الأسد. إذا كانت ترغب في رجمي بالحجارة فاستفانوس، اول الشهداء ماثل أمام عيني. عرياناً خرجت من بطن أمي وعرياناً أترك هذا العالم. وبولس الرسول يذكرني: لو كنت بعد أرضي الناس لم أكن عبداً للمسيح".
وخرج إلى المنفى: بهذا الشعور خرج القديس يوحنا إلى المنفى. جرّوه جلادوه حتى الموت ثلاث سنوات وثلاثة أشهر باتجاه الحدود بين كيليكيا وأرمينيا، على قرية منعزلة اسمها كوكوزا ومن ثم نحو كومانا في بلاد البنطس. عانى من الحر وعانى من البرد. عانى من المرض وعانى من الإرهاق. في خوف من اللصوص وخوف من الأعداء. كم من مرة بلغ حدّ القبر ثم عاد. مرات ومرات استبدت به آلام الرأس وكابد الحمى. وهذا كله حمله في جسد ضعيف معطوب. وما كان أطيب على قلوب الجنود، مواكبيه، من أن يسقط صريعاً على الطريق هنا أو هناك. هذا كان عجّل في إتمامهم المهمة الموكولة إليهم وحصولهم على المكافآت والترقيات. ومع ذلك، ومن وسط المعاناة، ازداد قديسنا ثباتاً وتسليماً ورقة وإحساسا. أكثر الرسائل المئتين والاثنتين والأربعين المنسوبة إليه كتبها في تلك الفترة من حياته. وهذه وجهها إلى أساقفة في الشرق والغرب وإلى كهنة وشمامسة وشماسات ورهبان ومرسلين. وقد ضمنها وصفاً لأتعابه، ونصحاً لأصحابها في موضوعات شتى، كما شدّد وعزّى خراف الحظيرة وأوعز بضرورة دكّ المعابد الوثنية في فينيقيا واستئصال الهرطقة من قبرص، وحث على إيفاد المبشرين إلى بلاد الفرس وسكيثيا. رسالتان وجههما إلى أسقف رومية، وسبع عشرة إلى أوليمبيا الشماسة التي كان يكنّ لها محبة وتقديراً كبيرين.
المجد لله على كل شيء: وقد بدا لبعض الوقت أنه كان للذهبي الفم في المنفى دور وتأثير في أمور الكنيسة أكبر مما كان له وهو في كرسيه في القسطنطينية. فتنبّه المسؤلون في العاصمة المتملكة إلى خطورة الأمر، والحال هذه، فبعثوا بتوجيهاتهم إلى الجنود المرافقين ليوحنا أن يمنعوا عنه الرسائل ويزيدوا تضييقهم عليه. تلك كانت المرحلة الأخيرة من رحلة استشهاده. فقد أرهقه معذّبوه إلى درجة لم يعد بإمكانه تحملها. وفي موضع قريب من كومانا في بلاد البنطس ظهر له في الحلم قديس شهيد اسمه باسيليكوس كان موارى هناك وقال له: "تشدّد يا أخي فغداً نلتقي!". وفي صباح اليوم التالي طلب ثياباً بيضاء واشترك في سر الشكر ثم أسلم الروح. كلماته الأخيرة كانت: " المجد لله على كل شيء!". كان ذلك في الرابع عشر من شهر أيلول من العام 407 للميلاد، وكان قد أتم الستين من عمره والعاشرة من أسقفيته. إكرام المؤمنين للذهبي الفم كقديس بدأ حتى في حياته. وقد جرى نقل رفاته إلى القسطنطينية بعد إحدى وثلاثين سنة من رقاده، في السابع والعشرين من شهر كانون الثاني من العام 438 للميلاد.