17/05/2020
✥ اَلسِّنْكسَار ✥
✥ أحد السَّامريّة: أيتها الامرأة لقد وافيتِ لتأخذي الماء الفاسد، فاستقيتِ الماء الذي به غسلتِ دنس المفاسد
بما أن في هذا اليوم اعترف المسيح عن ذاته ظاهراً أنه ماسيا الذي هو مسيح أو ممسوح (لأن لفظة الزيت عند اليهود تُدعى مسحة) لأجل ذلك على ما يلوح لي رُتب هذا العيد الحاضر في سُبّة نصف الخمسين. وبما أنه في الأحد الذي قبل هذا اجترح الأعجوبة في البركة وفي هذا على بئر يعقوب الذي احتفرها يعقوب بذاته ووهبها ليوسف ابنه. لأن ذاك المكان كان منتخباً وكان قريباً من جبل صومور حيث كان السمراء ساكنين مدناً كثيرة فحضر المسيح إلى سيخار حيث نزل في القديم يعقوب مع أولاده ودينا ابنته لما عشقها شاخيم بن حمور صاحب تلك الأرض وافتضها غصباً. فمن هذه الجهة هاج أخوتها بالغيرة ودخلوا إلى المدينة على غفلةٍ وقتلوا جميع من فيها بأسرهم وقتلوا شاخيم وحمور أباهُ فسكن إذاً هناك يعقوب واحتفر هذه البئر ليس أن السمراء أولاً سكنوا هذا الجبل لكنِ الإسرائيليون الذين أغضبوا الله لما تملك فقحيّا وتحارب أولاً وثانياً مع الاثوريين الذين حضروا لمحاربتهم وصاروا يدفعون لهم الجزية. وبعد هنيهة لما تملك هوشع فراسلوا الحبش فلما علم بذلك الاثوري نقلهم إلى بابل وأمر أن يسكن في تلك المواضع أمم مختلفة. إلا أن الله أطلق على أولئك القبائل الغريبة سباعاً ضارية فبلغ ملك العراق هذا فأرسل لهم كاهناً من اليهود (لأنهم كانوا بعد إسراء هناك) لكيما يقبلوا شريعة الله وللوقت ارتجعوا عن عبادة الأصنام ولكنهم اقتبلوا كتب موسى فقط وامتنعوا أن يقبلوا الأنبياء وبقية الكتاب المقدس. هؤلاء دُعوا سمراء بما أنهم من جبل صومور وكانوا مبغوضين من اليهود الراجعين حديثاً من السبي لأنهم كانوا ماسكين سنّة اليهود من النصف وما كانوا يواكلونهم لأنهم كانوا يعدونهم رجسين. لهذا السبب كثيراً كانوا يدعون المسيح سامرياً كأنه ناقض بعض أشياء ناموسية كمثل أولئك فجاء إذاً إلى سيخار وجلس لما اعيي من تعب الطريق وكان نحو الساعة السادسة. فجاءت امرأة من المدينة تستقي ماءً لما كان التلاميذ منطلقين ليبتاعوا طعاماً فطلب إذاً يسوع منها ماءً فأما تلك فتعللت بعدم مخالطتهم لأنها عرفته من نغمته ومن حلّته. أما هو فرقاها مورداً إلى الوسط الماء الروحاني معنياً ذاك العديم الفناء المطهّر لأنه دائماً يمثل الروح بالماء والنار فأما الامرأة فقالت له أن ليس له مثل هذا الماء لما كانت متيقنة أن ليس له مستقى والبئر عميقة ثم أنها أوردت القول من باب يعقوب الجد الأول الذي احتفر البئر وشرب منها هو وماشيته موضحة من ههنا غزارة غناء هذا الينبوع وبنوع آخر نفعه وبرودته. فأما المسيح فلم يقُل عن ذاته أنه أعظم من يعقوب لئلا يعربس الامرأة لكنه أيضاً خاطبها عن ذاك الماء موضحاً من هذه الجهة أنه يسمو فووقاً على هذا بقوله أن الشارب من ذاك الماء لا يعطش البتة. فطلبت الامرأة منه هذا الماء فقال لها أن تدعو بعلها لأن أقواله محتاجة إلى فطنة أشد وأقوى. فأما هي فأنكرت بأن ليس لها رجل وأما العارف كل شيء فقال لها حسناً قلت لأنه كان لك خمسة رجال حسبما يأمر الناموس وأما هذا السادس الذي لك فليس هو برجلك بما أن مضاجعته لك زائغة عن الشريعة. فقومٌ ما ظنوا أن الخمسة رجال هم خمسة أسفار موسى التي قبلها السمراء والسادس أقوال المسيح التي ما كانت لتلك بعد لأن النعمة ما كانت بعد انسكبت. وآخرون قالوا هي الخمس شرائع المعطاة من الله وهي: التي في الفردوس والتي بعد النفي والتي في عهد نوح والتي في عهد إبراهيم والتي في عهد موسى والسادسة الإنجيل الذي ما كان أزهر بعد وآخرون يقولون أنهم الخمس حواس.
فأجابته الامراة مسمية إياه نبياً وفيما بعد سألته عن الجبل قائلة أين يجب أن يُسجد أفي صومور أم في أورشليم لأن السمراء بما أنهم غير كاملين لم يفهموا أن الله في كل مكان بل كانوا يظنون أن الله مقيم هناك فقط حيث كانوا يسجدون أعني في جبل غاريزين لأجل البركة التي أعطيت هناك من الله أو لكون هناك نصب إبراهيم أولاً مذبحاً لله. كما واليهود أيضاً قالوا أن في أورشليم فقط يجب أن يُسجد لله فلهذا السبب اليهود الذين في كل مكان كانوا يجتمعون هناك في الأعياد. فأجابها المسيح قائلاً أن خلاص العالم هو من اليهود. بل زعم أن الله غير هيولي والذين يكونون أهلاً للسجود له سيسجدون له عن قريب ليس بالذبائح بل بالروح والحق أو هكذا سيعرفون الله ليس وحده فقط لكن بروح القدس والابن لأن هذا هو الحق. فأجابته الامرأة أيضاً قد نسمع من الكتب أن ماسيا سيأتي الذي هو المسيح فقال لها يسوع أنا هو لأنه كان عارفاً حسن موالاة الامرأة وكذلك السمراء كانوا عارفين خبر ماسيا من أسفار موسى وخاصة من قوله "نبياً سيقيم لكم الرب الإله" وأشياء أُخر كثيرة. ولما كملت المفاوضة جاء التلاميذ فانذهلوا من إفراط تنازله كيف يتفاوض مع امرأة. لكنهم في ذلك الإثناء تضرعوا إليه أن يأكل لأجل أنه كان قد تعب ولأجل حر الوقت. وأما هو فكان يخاطبهم عن الطعام الأبدي أعني عن خلاص البشر وكيف يجب لهم أن يحصدوا أتعاب الأنبياء. ولكن من حيث أن الامرأة بلغت إلى المدينة وأخبرت بجميع ما جرى لها فنهض الجميع وأتوا إلى المسيح وتيقنوا أن الامرأة لولا أنها عرفت شيئاً عظيماً لما كانت وبَّخت ذاتها وتضرعوا إليه أن يقيم عندهم يومين فاستقام وعمل عجائب كثيرة جداً التي لأجل كثرتها لم تُكتب من الإنجيليين. هذه هي السامرية التي تسمّت من المسيح أخيراً فوتيني التي تسربلت أكليل الشهادة على عهد نيرون مع أولادها السبعة بعد شقاء كثير وجرد أعضاء وقطع أثداء وتطحين أيدي وتنفيذ قصباً دقيقاً تحت الأظافر وشرب الرصاص مع الفحص بعذابات أُخر لا تُحصى. إِعلمْ أن الغطاء الحجري لتلك البئر نقلهُ من هناك بإكرامٍ يوستينيانوس الملك إلى هيكل كلمة الله أعني هيكل آجيا صوفيا العظيم ووضعه على بئر، وأيضًا الحجر الذي جلس عليه المسيح لما خاطب السامرية نقله أيضاً وهما باقيان إلى يومنا هذا قدام النرثكس من المشارق عن مياسر الداخل للهيكل يشفيان كل صنف من أصناف الأمراض ولاسيما يصيران ترياقاً لأولئك المعترين من الحمى والبردية المحرقة.
⁜ “لكن من يشرب من الماء الذي أعطيه أنا فلن يعطش إلى الأبد”: الكنيسة لا تدعو المؤمنين بأن يقتنعوا فكرياً بألوهية المسيح أو بناسوته، هي لا تطلب إيماناً فكرياً كمفهوم إيماني فردي يؤمن بخوارق, بل تضع شهادة الأوائل الذين عاشوا مع المسيح ولمسوا ألوهيته وأكدوها لنا، بل تدعوهم للمشاركة مختبرين الحياة معه كي يكونوا شهوداً للمسيح، هذه الشهادة الناتجة عن العيش معه. المرأة السامرية في إنجيل اليوم كانت إحدى هؤلاء الشهود الذين عاينوا المسيح وتحدثوا معه وذهبوا ليبشروا الكل بأن المسيح هو ابن الله ومخلص العالم.
⁜ الحرية الشخصية: يستند تعليم الكنيسة على حقيقة المسيح بأنه كلمة الله، لم يكن حضوره على الأرض لتحقيق ذاته فلم يدعي أنه سأتي لتحقيق شيء لذاته، لكن وجوده شهادة لشخص الآب. يتحقق هذا الحضور لشخص الكلمة، من بعد العنصرة، في خبرة الكنيسة، بفضل الأقنوم الثالث أي الروح القدس، المعزي. الروح يشهد للكلمة ليس بشهادة علّمية ولكن كشهادة حيّة موجودة في كل شخص يقبل البنوة.
⁜ وجود الإنسان: ينقل الإنجيل رسالة جديدة للتاريخ البشري تتلخص فيما يلي: أن يوجد الإنسان بنفس طريقة وجود الله أي متحرر من كل فساد أو موت و ذلك بالحب النقي، فيتوقف عن الأسباب الطبيعية لوجوده، أي البيولوجي والنفسي، الذين بطبعهما قابلان للفساد والموت، محولاً وجوده ليكون متحرراً من قيود الحياة البيولوجية ليكون كائناً حرّاً بالمحبة. هذا الأمر ليس بدعوة أخلاقية بسيطة لأنها لا تكفي أن تغير حالة إنسان مائت، لأن مهما تطورت حالة الإنسان الشخصية ووصلت لمستوى عالي من الفضائل إلا أنه سيبقى قابل للموت والفساد، وذلك في حدود الإنسان الطبيعي ولكن لا يمكن للإنسان الداخلي الروحاني لا يفسد إدا سكنه المسيح ولا يموت إلى الأبد. تعترف المرأة السامرية في حوارها مع المسيح بعيشها الطائش في هذا العالم وخطاياها وفساد طبيعتها وتضع رجاء وجودها على محبة الله الثالوث غير المنقطعة، محولة حياتها لمعرفة الله التي بها تصبح حرّة. وعرفت بالمنيرة لأنها أنارت العالم بمعرفتها الإلهية وبشّرت بملكوت السموات موضحة معنى الماء الحي.
✥ القدّيسان البارّان نكتاريوس وثيوفانيس مؤسّسا دير برلعام في الميتيورا (القرن 16م): كان القديسان نكتاريوس وثيوفانيس أخوَين من عائلة نبيلة مقتدرة من يوانينا. تلقيا قسطاً وافراً من العلم في العالم ثم غادرا أوهام العالم وأمجاده الباطلة ورغبا في الحياة الرهبانية. جعلا نفسيهما في عهدة شيخ قديس اسمه سابا في إحدى جزر بحيرة يوانينا. تلقنا مبادئ الحياة النسكية وسلكا إلى آخر حياتهما في سيرة صارمة لا يعطيان فيها جسديهما راحة. لا يتناولان الزيت بالمرة ولا يأكلان سوى مرة واحدة كل يومين. كما كان ثيوفانيس يحمل على جسده سلاسل ثقيلة، وقد بقي كذلك إلى نهاية حياته. إثر وفاة شيخهما، بعد ذلك بعشر سنوات، شعر الأخوان، وكانا قد اقتبلا الكهنوت، باليتم فانتقلا إلى الجبل المقدس، آثوس، إلى دير ديونيسيو، المشهور بشدة نسك رهبانه. كانا يرغبان في أخذ نصيحة القديس البطريرك نيقون هناك. وقد نصحهما بالعودة إلى منسكهما وأن يسلكا فيه وفق التعاليم التي تلقياها من شيخهما. عاد الأخوان إلى يوانينا فواجها صعوبات لم تكن في الحسبان، مؤسسو الدير، وهم من عامة المؤمنين، طالبوهما بمال مقابل حق الاستملاك. وإذ كانا يرغبان في الهدوء واجتناب المماحكات آثرا التخلي عن حقهما العادل وتحولا إلى داخل الجزيرة وشرعا في بناء منسك جديد. وقد شيدا، بعد ذلك، كنيستين، الواحدة على اسم السابق المجيد والأخرى على اسم القديس نيقولاوس. ثم أن أخواتهما الثلاثة ووالديهما التحقوا بهما وأقاموا في الجوار طالبين هم، أيضاً، السلوك في الحياة الملائكية. ولكن، هناك أيضاً، أثار عدو الخير الصعوبات في وجههم. فإن السلطات الكنسية والمدنية لم تكف عن إقلاق الأخوين رغم أنه سبق لهما أن أخذا من البطريرك إذناً ببناء دير مستقل. لكنهما ذكرا نصيحة القديس نيقون الذي كان قد قال لهما: "إذا ما واجهتكما محنة فلا تقاوما. فرا من ذلك المكان إلى مكان آخر يتسنى لكما فيه أن تعيشا في سلام". على هذا اختار الأخوان، مرة أخرى، أن يتركا كل ما شيداه حباً بالسيرة الهدوئية. وقد انتقلا إلى الميتيورا، في تيساليا، الذي كانت في طريقها لأن تصير أهم مركز رهباني في ذلك الزمان. وهكذا، إذ استأذنا رئيس دير التجلي، أمضيا سبع سنين على إحدى القمم المعروفة بـ "عمود السابق". ثم أقاما في العام 1518، على صخرة برلعام التي لا يُبلغ إليها. هناك كان راهب حمل هذا الاسم قد بنى كنيسة على اسم الأقمار الثلاثة صارت، في زمن الأخوين، في حال الخراب. رمم القديسان الكنيسة. مذ ذاك اجتذب نمط حياتهما رهباناً آخرين. نمت الشركة بسرعة إلى أن بلغ عددها الثلاثين. هذا استلزم بناء كنيسة أخرى كُرست لجميع القديسين. كذلك اجتهد الأخوان في بناء سائر الأبنية اللازمة لحياة الشركة. كما عملا على توفير الملحقات الزراعية للدير لكي يتسنى للرهبان ملازمة عمل الله دون هم. وقد أنشأاهم، بالكلمة والمثل الطيب، على كيفية اقتناء كمال النفس. وإذ بلغا إلى نهاية سعيهما تركا لهم سيرة حياتهما ووصية حثياهم فيها على البقاء واحداً نظير أعضاء الجسد الواحد وأن يتنافسوا في حمية الفضيلة لا في أي شيء آخر. فلما اكتملت الكنيسة، في 17 أيار 1544، نقل الرهبان القديس ثوفانيس إلى الكنيسة الجديدة ليُروه حصيلة ما بُذل من أتعاب. ثيوفانيس كان قد صار له عليلاً عشرة أشهر ويزيد. فبعدما وقف على ما ألت إليه الأمور شكر الله وبارك الإخوة والعمال، ثم عاد إلى قلايته ليستعد للموت. وفيما كان الإخوة يتلون قانون المحتضرين، لمع نجم فوق المكان، فلما أسلم القديس الروح توارى النجم. أما القديس نكتاريوس فكان رقاده في 7 نيسان 1550م.
✥ القدّيسان الرسولان أندرونيكوس ويونيا (القرن الأول ميلادي):
خبرُهُما: ورد ذكر القديسين الرسولين أندرونيكوس ويونيا في رسالة الرسول بولس إلى أهل رومية. ففي (7:16) قال لأهل رومية: "سِّلموا على أندرونيكوس ويونيا نسيبيّ المأسورين معي الذين هما مشهوران بين الرسل وقد كانا قبلي في المسيح". هل يونيا رَجُل أو امرأة؟ كلا الأمرين مقبول لغوياً. البعض يورده باعتباره امرأة ويسمِّيها يونيا، والبعض الآخر يورده ذكراً ويُسمِّيه يونياس. في التراث إنها زوجة أندرونيكوس. القديس يوحنَّا الذهبي الفم في تفسيره للرسالة إلى أهل رومية، يُكبر بها امرأة ويتساءل متعجباً: "ما أعظم تفاني هذه المرأة، يونيا، حتَّى أنها اعتُبرت مستحقة أن تكون رسولة! "كذلك ورد في التراث أن أندرونيكوس ويونيا كانا من أصل يهودي واهتديا إلى المسيح في أورشليم.
وقد هديا العديد من الوثنين إلى المسيح وعملا على دكّ العديد من الهياكل الوثنية وأبرأا المرضى بقوّة الروح القدس. ويبدو أنهما أُوقفا حوالي العام 58 م واستيقا إلى رومية حيث أنهيا حياتهما على الأرض بالشهادة.
✥ أبونا الجليل في القدّيسين أثناسيوس العجائبي الجديد (القرن 18م): ولد في كورفو سنة 1665 ونشأ في كاريتينا في البليوبونيز اليونانية. هناك شغل أبوه منصباً مهمّاً في الإدارة المدنية التي كانت، يومها، تابعة لسلطة البنادقة. مال منذ الولودة إلى الدرس وأبدى اهتماماً خاصاً بالتعليم الديني والحياة الروحية، كما اجتهد أن يضيف، في حياته، الفضيلة إلى الفضيلة بغية الدنو من ربّه قدر استطاعته. وإذ رغب في الاقتداء بالقدّيسين قاوم محاولات ذويه لحمله على الزواج. لكنه رضخ أخيراً وقبل أن يخطب إحدى فتيات الأغنياء. فلما توجّه إلى نوبليون، على مضض، إعداداً لتيار العرس، رأى في الحلم والدة الإله الكليّة القدّاسة يصحبها السابق المجيد تنصحه بالتخلي عن استعداداته للزواج والانتقال إلى القسطنطينية ليصير إناء مختاراً. فلما صحا من النوم وشعر بفرح عامر يملأ قلبه وبثقل ثقيل ينزل عن كاهله، كتب إلى أبيه وشرح أسباب ارتداده. ثم أبحر إلى القسطنطينية حيث قابل البطريرك غفرائيل الثالث (1702 – 1707م) ليطلب منه الإذن والبركة في اقتبال الحياة الرهبانية. وإذ لفتت البطريرك صفات الشاب المميّزة، أبقاه لديه وسامه شمّاساً ثم كاهناً. وفي العام 1711، صار أسقفاً على خريستيانوبوليس، غير البعيدة عن موطنه، في البليوبونيز. منذ أن وطئت قدماه أرض أبرشيته قرّر أثناسيوس أن يكون، في كل أمر، إيقونة للمسيح الراعي الذي بذل نفسه من أجل قطيعه. هذا، أيضاً، جعله يزيد من جهاداته الروحية ليكون، في حياته، مبشّراً أهلاً للثقة. وإذ لاحظ أن المحتلين البنادقة يحاولون اجتذاب المسيحيّين الأرثوذكسيين إلى معتقدهم معوّلين على النقص في التعليم الأرثوذكسي، عمد إلى تأسيس عدد من المدارس على نفقته الخاصة. كما شيّد الكنائس واهتمّ بتوزيع الحسنات على المحتاجين وتزويد الفتيات الفقيرات بالمهر اللازم وأصلح الضالين بحزم أبوي وهدى الشاردين واجتذب القلوب القاسية إلى الندامة. كان مبشّراً حاراً بكلمة الله ونموذجاً للفضيلة والقناعة, كان للكل كل شيء وأضحى، بعجائبه، مدبّر النعمة الإلهية لبناء كنيسة المسيح وسندها. حين كان القدّيس أثناسيوس يقيم القدّاس الإلهي كان الأنقياء يعاينون نوراً متلألئاً يخرج من فمه. وقد ورد أنه، في أحد أيام الصيف، توّقف في كنيسة تقع على شاطئ بحيرة ليُمضي ليلته. ولكن لم يتمكن الأسقف من إغماض عينيه بسبب نقيق الضفادع هناك. في الصباح لعن هذه المخلوقات التي أقلقت راحته. مذ ذاك لم يعُد يُسمع في ذلك المكان صوت النقيق.
ومرة أخرى كان ابن أحد مواطنيه قد خطفه اللصوص وطلبوا، لإطلاق سراحه، فدية كبيرة وحدّدوا لدفعها مهلة وإلا فتكوا بالصبي. فلما كانت الليلة المحدّدة ظهر القدّيس للشاب وأطلقه من قيوده فيما كان حراسه يغطّون في نوم عميق. ومن أخباره أيضاً أنه فيما كان يُنقل ليوارى الثرى دنت من الموكب امرأة وهي تبكي وألقت بنفسها أمام جسده. كانت تشكو أنه لم تتل صلاة الحلّ من خطاياها بعدما استكملت فترة تكفيرها كما فرضها عليها الأسقف القدّيس. المرأة سبق لها أن تعاطت السحر، فإذا بيد الراقد ترتفع وتبارك التائبة، فهتف الجميع: "كيريا الأيصاون! يا رب ارحم!". بعد ذلك نُقلت رفات قدّيس الله إلى دير السابق المجيد في غورتيس في أركاديا. هناك كلما تهدّدت الأمة كارثة كان يُسمع من صندوق الرفات صوت قرقعة.
✥ القدّيس الجديد في الشهداء نيقولاوس معاون الفرّان (+1617م): وُلد في بلدة ميتسوفو، أبيروس (اليونان)، من أبوين أرثوذكسيّين تقيَّين. خرج شاباً إلى تريكالا حيث عمل مساعد فرّان. هناك حاول بعض المسلمين اجتذابه إلى الإسلام وإنكار المسيح. وإذ كانوا يلحّون عليه أذعن وشهر إسلامه. ولكن لما عاد إلى ميتسوفو عاد إلى مسيحيّته الأرثوذكسية. شرع نيقولاوس، لزيادة دخله، ينقل الحطب إلى تريكالا ليبيعه هناك. فحدث، في إحدى سفراته أن عرفه حلاق مسلم كان جار الخبّاز الذي سبق لنيقولاوس أن عمل عنده. ارتبك الحلاق لما رأى القدّيس دون ملابسه الإسلامية. فلما واجهه وسأله ما إذا كان قد عاد إلى إيمانه السابق، ارتعب نيقولاوس وعرض أن يزوّد الحلاق بالحطب مجّاناً، وأن يفعل ذلك كلّ سنة شرط أن يسكت عنه. وهكذا تمّت الصفقة واستمرّ القدّيس أميناً لها ولكن إلى حين. أخيراً تعب نيقولاوس وقرّر أن يصلح أمر نفسه باقتبال الهادة من أجل إيمانه بالمسيح ليمحو خطيئة الخيانة. لذلك استشار أباه الروحي فنصحه بعدم التسرّع لأنه غير مهيّأ لاحتمال التعذيب والموت. ولكن أبدى نيقولاوس تصميماً. فلما رآه أبوه الروحي مصرّاً عدل موقفه وشرع يعدّه لاقتبال ميتة الشهادة للمسيح. وفي الوقت المناسب خرج نيقولاوس إلى تريكالا من جديد فكان الحلاق المسلم في انتظاره ليحصل على الحطب الموعود فلم يعطه نيقولاوس شيئاً وأخبره أنه لن يحصل على شيء من الحطب بعد اليوم. اغتاظ الحلاق ودعا مسلمين آخرين وأطلعهم على ما فعله نيقولاوس لجهة الارتداد عن الإسلام إلى مسيحه. أخذوه وعرضوه على القاضي الذي استجوبه فألفاه على المسيحية الأرثوذكسية. قال: "أنا وُلدت مسيحياً أرثوذكسياً. لذلك لن أنكر إيماني مهما كانت العذابات التي تنزلونها بي". لجأ القاضي إلى الإطراء والوعود ثم إلى التهديد بالتعذيب والموت لاسترجاع نيقولاوس، فردّ قدّيسنا عرض القاضي وثبت متمسِّكاً بإيمانه بالمسيح. لذلك ضُرب وأُلقي في السجن، كما حُرم من الطعام والشراب. ثم أوقف ثانية أمام القاضي وأُعيدت الكرّة على غير طائل. وبعد الاستجواب الثالث أدرك القاضي أنه لا جدوى من محاولة إقناع المرتدّ بالعدول عن موقفه، لاسيما وأنه لم يكفّ عن الإعلان بالصوت الملآن أن يسوع المسيح هو الإله الحقيقي وأنه هو، نيقولاوس، يؤمن به ولن يكفر بدينه أبداً. بناء عليه أصدر القاضي بحقِّه حكم الموت. أُشعلت نار في وسط السوق وأُلقي فيها فقضى حرقاً للمسيح. وإن خزّافاً حضر الإعدام ورغب في الحصول على بعض رفات القدّيس. فلما قضى نيقولاوس وتُرك جسده تحت الحراسة، دفع الخزّاف مبلغاً كبيراً من المال لقاء حصوله على جمجمة القدّيس. فلما تسلّمها أخذها وأخفاها في بيته، داخل أحد الجدران لأنه خشي أن يكتشف المسلمون ما فعل. ولكن بعد زمان بيع المنزل لأحد الأرثوذكسيين، المدعو ميلندروس، الذي رأى نوراً ساطعاً على إحدى رقع الحائط في إحدى غرف البيت. فلما نقر الحائط وجد جمجمة نيقولاوس فأخذها إلى دير برلعام في الميتيورا حيث كان أخوه راهباً. كانت شهادة نيقولاوس الذي من ميتسوفو في 16 أيار سنة 1617 م.
✥ القدّيسة البارة أفروسيني الموسكوفيّة ( + 1407م): هي زوجة الأمير الكبير ديمتري الذي قاد معركة كوليكوفو ضدّ التتار. الكنيسة الروسيّة أعلنت قداسته في العام 1988م. فلمّا ترمّلت أفدوكيا، وهذا كان اسمها قبل أن تترهّب، أسّست في قصرها ديرًا نسائيًّا باسم دير الصعود الإلهيّ. لم تصر هي راهبة لأنّه كان عليها أن تهتمّ بتنشئة أولادها وكانوا صغارا. كذلك كان عليها أن تتابع شؤون الدولة، وكانت في وضع صعب. غير أنّها كانت صوّامة، تمضي الليل في الصلاة وتوزّع الحسنات على الفقراء. ذات يوم ظهر لها ملاك الربّ وانبأها بقرب رقادها. يومذاك تخلّت عن اهتماماتها العالميّة واقتبلت الإسكيم الرهبانيّ متّخذة اسم أفروسيني بعدما كان اسمها أفدوكيا. كان رقادها في العام 1407م. وقد ورد أنّها ظهرت في الحلم لأعمى ووعدته بالبرء فتحقّق الوعد بنعمة الله.
✥ القدّيس البار مادرون كورنوال الإنكليزي العجائبي (+ 545م): ناسك لا نعرف عنه الكثير. لكنه صانع عجائب يشهد له الكاثوليك والبروتستانت معًا. وثمّة بئر في موقع نسكه يغتسل بمياهها المرضى ويتعافون.
✥ الشهداء سولوخون ورفيقاه بامفامر وبمفيلون.
✥ الشهداء هيراديوس وبولس وأكلّينوس ورفاقهم.
✥ الشهيدة رستيتوتا القرطاجية.
✥ شهداء باتاك الجدد.