• 1

  • 2

  • 3

  • 4

Copyright 2024 - Propriété AGOAP - 2014

✥ القدِّيس غريغوريوس بالاماس:

إنّ تثبيت القدّيس غريغوريوس بالاماس لتعاليم الكنيسة المقدّسة في القرن 14 ٱعتُبر ٱنتصارًا ثانيًا للأرثوذكسية بعد ٱنتصارها على محاربي الأيقونات. لهذا خصّصت الأحد الثاني من الصوم لذكراه إلى جانب عيده في 27 تشرين الثّاني الّذي هو تذكار رقاده، رغم أنّ البنية الليتورجية لهذا الأحد قد سبق إقرارها قبل القرن 14 بموجب خطوط أخرى.
”كان يمكن أن تُبتلَع الأرثوذكسيّة، ومعها الرّوحانيّة التّراثيّة، ممّا تفشّى في الوجدان الغربيّ. لكنْ، بعناية العليّ ووعي الكنيسة الأرثوذكسيّة، تأكّد لهذه الرّوحانيّة الثّباتُ واستعلتْ خبرةُ الرّهبان والمؤمنين، بعامة، يومذاك، على المخاطر والهجمة الوجدانيّة الفكريّة الشّرسة الّتي تهدّدتها، وكان القدّيس غريغوريوس بالاماس بؤرة الرّوح التّراثيّة بامتياز وكلمة الكنيسة الفصل منذ أوّل تاريخها إلى ذلك الحين. فقالت الكنيسة، في مجمعَين انعقدا في القسطنطينية في حزيران وآب سنة 1341 وتمّوز سنة 1351: ما خبره غريغوريوس والرّهبان وما قاله وكتب عنه، في شأن المعاينة الإلهيّة، هو ما خبرته وتختبره الكنيسة الجامعة منذ البدء وهو تعليم آبائها، بلا منازع، جيلاً بعد جيل. من ذا أهمّية القدّيس غريغوريوس وتعظيم الكنيسة له!“ إن هذا الجليل ابن النور الذي لا يشوبهُ مساءٌ إنسان الله بالحقيقة وخادم الإلهيات العجيب قد كان منشأهُ من بلاد أسيّا ابناً لوالدَيْن شريفي الحسب والنسب واجتهد أن يزيّن بالفضيلة والأدب ليس فقط الإنسان الخارجي المحسوس بل بالأحرى الداخلي الغير المنظور. فلمّا توفي أبوهُ ربّته والدته من صغر سنهُ مع إخوتِه وشقائقِه وأدّبتهُ بأدب الرب وبالنصائح الإلهيّة والعلوم الشريفة واعتنت بوضعِهِ عند معلمين ليتروض جيداً بالحكمة الخارجية فمذ مزج الجهد اللائق مع ذكاوته وحذاقته الطبيعية حصل في برهة يسيرة على علوم وفنون مختلفة.

✥ السِّنْكسَار ✥
✥ أحد القدّيس غريغوريوس بالاماس: ينتهي الأحد الأول من الصوم بتلميح إلى خدمة الملائكة. فالنص المقدس يقارن بين خدمة الملائكة وخدمة المخلِّص نفسه التي تفوقها. إذا كان العصيان التي تبلغنا إياها الملائكة هو معاقب حقاً, فكم تكون معاقبة الإنسان الذي يهمل خلاصاً بشَّر به المسيح وأتى به, إذ "لمن من الملائكة قال قط: اجلس عن يميني حتى أضع أعداءك موطئاً لقدميك"
إنجيل اليوم: هذا اليوم قصة شفاء مخلع كفرناحوم. لقد غفر يسوع خطاياه , إذ تعجب الكتبة من أن أحداً غير الله يستطيع غفران الخطايا. فالموضوع الرئيس لهذا الحادث هو القدرة على الغفران والشفاء معاً التي يمتلكها الرب يسوع. فلا يجب الفصل بين الغفران والشفاء. لكن لم تكن أول كلمة ليسوع: " إشفِ " بل "غفرت خطاياك". فعلينا, في أوجاعنا الجسدية, أن نصلي من أجل تطهيرنا الداخلي, من أجل غفران زلاتنا, حتى قبل التماس النجاة المادية, وأخيراً أمر يسوع المشفى أن يحمل سريره إلى البيت. فعلى من غُفر له, وتغير داخلياً على يد يسوع, أن يبين لأهله (ليس بحمل السرير بل بالأقوال والأفعال) أنه إنسان جديد. إِنَّ تذكار بالاماس لم يدخل إلا في القرن الرابع عشر, في حين كانت فيه بنية هذا الأحد الليتورجية قد سبق إقرارها في مخطوط سابق. فقد عرض القديس غريغوريوس بالاماس(17) العقيدة اللاهوتية المتعلقة بالنور الإلهي ودافع عنها دفاعاً جباراً, فالخدمة تتكلم بصورة عامة عن النور وعن الذي قال "أنا نور العالم". تجمع نصوص السحر ثلاث أفكار: فكرة المسيح الذي ينير الخاطئين, فكرة إمساك الصوم, وفكرة كلمة "قم" التي وجهها المخلص إلى المخلع والتي نوجهها نحن الآن إليه.

﴿ الأحد ٢٦ / ٢ / ٢٠٢٣ ﴾

✥ السِّنْكسَار المقدس ✥

✥ أحد مرفع الجبن (أحد الغفران): «فلينُح العالم مع زعيميّ الجنس ويندب متمرمراً، إذ لما سقطا بالأكلة الحلوة سقط معهما متهوراً». هذا التذكار قد رتّبه الآباءُ القدّيسون قبل الصيام المقدس، ليُظهروا بالفعل ويُعلنوا جليًّا بكم من المقدار هو نافع للطبيعة البشرية علاج الصيام، وبكم من المقدار أيضًا هو باهظ القُبح الناتج عن الشراهة والمخالفة. فإذًا، قد ترك الآباء وغادروا الأفعال الصائرة لآدم أول الجبلة في العالم كل شيءٍ بمفرده التي لا تُحصى، وقدّموا ما أصابُه من السوءِ، بحيث لم يصُم قليلاً، وما أدخلهُ من جرّاءِ ذلك على طبيعتنا، معلنين جليًّا أن أول وصية من الله للناس هي الصيام الحسن والنافع التي لمّا لم يحفظْها ذاك، بل انغلب من البطن وبالأحرى من الحيّة الغاشّة بواسطة حواء، ليس فقط لم يصِر إلهًا، بل جلب الموت على نفسه، وأشرك جميع الجنس في الفساد، فَلِتَنَعّمِ آدم الأول صام الربّ أربعين يومًا وحصل طائعًا الّذي بسببه اصطنع الرسل القديسون هذا الصيام لكي ما لم يحفظْهُ ذاك من عدم البلى، بل أضاعهُ وأصابه ما أصابه، نحفظهُ نحن فنتمتّع به بواسطة الصيام. ثم كما قلنا آنفًا أنّ قصد القدّيسين هو هذا، وهو أن تُضمّ بالإيجاز والاختصار جميع الأفعال الصائرة من الله من الابتداء إلى الانتهاء. فبحيث أن علّة جميع ما جرى علينا هي المخالفة، وسقوط آدم من النعيم؛ فلهذا السبب وضعوهُ لنا الآن لكي إذا ما صنعنا تذكارُه نهرب من الإسراف ولا نغايرُه في جميع الأحوال. ففي اليوم السادس جُبل آدم بيد الله، وأُكرِمَ بالتمثال بواسطة النفخة، ومن بعدما أخذ الوصية حالاً أقام في الفردوس ستّ ساعات، ثم عصاها وخالفها، فأُقصِيَ من هناك منفيًّا. إلا أنّ فيلون اليهوديّ يقول: إنّ آدم مكث في الفردوس مئة سنة، وآخرون يقولون سبعة أيّام أو سبع سنوات لشَرَف عدد السبعة. فأمّا أنّه في السّاعة السّادسة مدّ يديه ولمس الثمر، فقد أوضحه آدم الجديد أعني المسيح لما بسَطَ يديه في اليوم السادس، وفي الساعة السادسة على الصليب، شافيًا هلاك ذاك. ثمّ أنّهُ أبدع بين البلى والبقاء لكي أيّما من الاثنين ينصبّ إليه بالنيّة والعزم، فله يقتنى ويملك لأن الله كان قادرًا أن يجعلهُ بغير خطيئة، لكن حتّى يكون العمل مختصًا بنيّته قد فرض له الناموس بأن يمسّ جميع النباتات، وأمّا ذاك العود فلا. الذي من الممكن أن يكون هكذا وهو بأنه يدرك المعرفة بالقوّة الإلهية الصائرة من جميع المخلوقات، وأما التي عن طبيعة الله فلا. الذي قد عبَّر عنهُ غريغوريوس الثاولوغوس قائلاً أن الأشجار هي رؤيات إلهية، والغرسة هي نظر، أعني أن الله أباح لآدم أن يهتمّ ويفحص عن جميع العناصر المادية المكونة لهذا العالم والكيفيات الأخرى ويردّدها في عقله، ومن ثمّ، يمجّد الله لأنّ هذا هو النعيم الحقيقيّ. والممكن أن يكون قد أبيح له أن يفحص أيضًا عن طبيعة ذاته. وأما عن الله وما هو بحسب الطبيعة وأين وكيف أخرج الجميع من العدم إلى الوجود فلا يبحث أبدًا. أما هو فترك الأشياء الأخرى وكان يبحث بالأكثر عن أمور الله، ويستقصي بالتدقيق عن طبيعته. فبما أنّه كان غير كامل لحدّ ذاك الوقت، وكلّي السذاجة وطفلاً في مثل هكذا أشياء، سقط لما وضع له الشيطان بواسطة حواء خيال التأله. وأما فم الذهب العظيم الإلهي فيقول إن ذلك العود كان له دلالتان ويقول أن الفردوس هو في الأرض ويبدي القول فيه أنهُ كان عقلياً وحسيّاً كما كان آدم وكلاهما فيما بين الفناء والبقاء. فبذلك، أمّا المعنى المستفاد من فحوى الكتاب فحافظ عليه ولم يقلِبْهُ، وأمّا المعنى الحرفيّ، فلم يبقَ منعكفًا عليه، وغير خارج عنه. وبعضٌ ارتأوا رأيًا ليس بحسن، وهو أن ذاك العود كان اقتران آدم مع حواء ومعرفته لها. فلما عصا ولبس الجسد المائت وأخذ اللعنة نُفي من الفردوس، ورُتّبت حربة لهيبيّة لتحفظ بابه، فجلس مقابلهُ، وكان يبكي ويندب كميّة الخيرات الّتي فقدها لأجل أنهُ لم يصُم قليلاً. وقد شاركهُ بالسوية معهُ كل الجنس المولود منهُ إلى أن جابلنا رحم طبيعتنا التي أفسدها الشيطان إذ وُلد من عذراء قديسة واستسار سيرةً فاضلة وأرانا الطريق بما يضادّ ويعاند ذاك المتمرّد أعني بالصيام وبالاتّضاع. ولما غلب بصناعةٍ ماهرة ذاك الذي خدعنا اقتادنا إلى المرتبة الأولى. فالآباءُ المتوشّحون بالله إذ أرادوا أن يُظهِروا جميع هذه بواسطة جميع التريودي قدّموا أولاً الأشياء المنوطة بالعهد القديم التي أوّلها الإبداع وسقوط آدم من النعيم الذي نصنع تذكاره الآن. ثم البقية بواسطة الأقوال الموسَوّية والنبَويّة وبالأكثر الداودية واضعين في بعض الأحيان أشياء من أقوال النعمة.

✥ السِّنْكسَار ✥


✥ أَحَدُ الدَّيْنُونَةِ أو أَحَدُ مَرْفَعُ اللَّحْمِ: إنّ السبت مكرّس بصورة خاصة لتذكار المؤمنين الراقدين. وثمة صلة واضحة بين هذا التذكار وذكر الدينونة الأخيرة. يُدعى هذا الأحد "أحد مرفع اللحم" لأنه آخر يوم يسمح به بأكل اللحم. ويجب منذ الاثنين, إن كان ذلك ممكنا الامتناع عن اللحم حتى عيد الفصح. واستعمال السّمك، الحليب، السمن والبيض مسموح طيلة أيام هذا الأسبوع, ومن ضمنها يومي الأربعاء والجمعة. يقول الرسول بولس في الرسالة (1 كو8:8 -13)و(1:9-2), ما يلي: إن أكل اللحم أو عدم أكله هو شيء سواء بحد ذاته. ولكن هذه الحرية التي نملكها, يجب أن لا تصير معثرة للضعفاء. فالإنسان الذي يؤمن بالله الواحد ولا يؤمن بحقيقة الأصنام, يستطيع أن يأكل لحم الضحايا المذبوحة. فإذا كان أخ أقل تبصراً, يفكر بالأمر على انه نوع من الاشتراك في عبادة الأوثان, فمن الأفضل الامتناع, من اجل احترام ضمير الأخوة الذين من اجلهم أيضاً مات المسيح. يجب أن يتجنب من يعتبر ان له أسباباً وجيهة أن لا يصوم أو أن يصوم أقل كل ما من شأنه ان يعثر أو أن يجرح ضمائر أضيق أفقاً. ويصف الإنجيل في القداس الإلهي الدينونة الأخيرة "إذا جاء ابن الإنسان في مجده", فيفصل النعاج عن الجداء, مقيماً الأبرار عن يمينه والخطأة عن يساره. ويدعو الذين أطعموه وسقوه وكسوه وزاروه, تحت الهيئة البشرية للفقراء والسجناء والمرضى, إلى الدخول في ملكوت الآب. ويقصي من الملكوت الذين تصرفوا بوجه آخر. ويحوي بوضوح هذا الصوف للدينونة, قسطاً من الرمزية. فنحن الذين نصدر الحكم على أنفسنا بمقدار ما نكون باختيارنا قد لازمنا الله أو رفضناه. فعلينا بالمقابل أن نسمع بصورة واقعية جداً ما يقوله المخلص عن حضوره في الذين يتأملون, لأننا فقط فيهم نستطيع أن نبادر إلى إعانة الرب يسوع. إن صلوات هذا الأحد تعطي انطباعاً عاماً من الذعر أمام حكم الله. فيدور الكلام فيها على كتب مفتوحة, وملائكة خائفين, وجداول نار, ورجفان أما المذبح, ولكن الظلام الذي يمكن للخاطئ أن يختار الارتماء فيه, يجب أن لا ينسينا جانب النور والرجاء.
«لمّا تجلس لتدين الأرض يا دياناً مقسِطاً عادلاً فللصوت القائل هلمّوا اجعلني وأنا أيضاً أهلاً». هذا المثَل قد وضعهُ الآباءُ الإلهيون بعد المثَلَيْن السابقَيْن لكيما إذا رأى الإنسان تعطّف الله الوارد بهما لا يجيز حياتهُ بكسلٍ قائلاً إن الله هو عطوفٌ ومحبُ البشر وعندما أرجع عن الخطيئة يمكنني أن أصنع كل شيءٍ بسهولة. فرتّبوا هذا اليوم الرهيب ههنا لكي بواسطة ذكر الموت وتوقّع النوائب العتيدة يُرهِبوا أولئك الراسخين في الإهمال والتواني وينهضوهم إلى الفضيلة وألا يثقوا بتعطّف الله فقط بل ينظروا دائماً بأن الله ديّانٌ عادل ويجازي كل أحدٍ نظير أعمالِه. وعلى الأخص لمّا تقدّمت بالأمس النفوس فوجب أن يوافي القاضي. فكأن هذا العيد الحاضر قد وُضع ههنا لنهاية جميع الأعياد وسيكون أيضاً غاية جميع أمورنا. ويجب أن نتأمل أن في الأحد المقبل سيضعون تذكار بِدء العالم مع سقوط آدم من الفردوس وأمّا هذا فنهايتنا كلنا وانقضاءُ العالم. وعلى ما يلوح لي أنهم وضعوا ذكر الدينونة في مرفع اللحم ليسكّنوا التنعّم والتلذّذ والنهم بخوف التذكار الوارد في العيد ويدعونا إلى الإشفاق على القريب. وأيضاً بحيث لمّا تنعّمنا نُفينا من فردوس عدن وصرنا تحت اللعنة والدينونة. فلهذا وُضع هذا العيد الحاضر ههنا تنبيهاً أننا في الأحد المقبل بواسطة آدم عتيدون أن نُطرَح من عدنٍ حسب الرسم إلى أن يوافي المسيح ويردّنا للفردوس ثانياً. ثم دُعي مجيئاً ثانياً لأنهُ أولاً أقبل إلينا بالجسد لكنهُ بهدوء وبغير مجد. وأمّا الآن فيوافي من السماءِ بعجائب تفوق الطبع وبهاءٍ ساطع بجسدِه أيضاً حتى يُعرّف عند الكل أن هذا هو الذي جاءَ فيما سلف وأنقذ الجنس البشريّ وهو العتيد أن يدينُه ويفحص أن كان حفظ حسناً ما دُفع إليه فأمّا متى يكون هذا المجيءُ فلا أحد يعلم بذلك لأن الرب قد أخفى هذا حتى وعن الرسل أيضاً لكنهُ أعلن أنهُ سيتقدّم ذلك علامات ما التي بعض القديسين شرحوها بأوسع بيان. ويجب أن نعلم أن المسيح لن يطلب في ذلك الوقت صوماً وعرياً وعجائب إذ وإن تكن هذه الأشياءُ هي جيّدة لكن يطلب الأفضل من ذلك كثيراً أعني صَدَقة وشَفَقَة. لأنهٌ سيقول للصديقين وللخطأة ستّة أشياء لأني جُعتُ فأطعمتموني وعطشتُ فسقيتموني غريباً فآويتموني عرياناً فكسوتموني ومريضاً فافتقدتموني وفي الحبس فزرتموني لأنكم مهما عملتم بأحد هؤلاء الأصاغر حسب طاقة كل أحد فبي صنعتموه. حينئذٍ كل لسانٍ يعترف أن الرب يسوع المسيح لمجد الله الآب. فأمّا العقوبات التي سلّمها الإنجيل الشريف فهي هذه سيكون هناك البكاءُ وصرير الأسنان دودُهم لا ينام ونارُهم لا تُطفأ واطرحوهُ في الظلمة القصوى. فجميع هذه اقتبلتها كنيسة الله جلياً وتزعم أن النعيم وملكوت السموات هي التصرّف والتدبّر مع قديسي الله والبهاءُ والارتقاءُ العديما الانقضاءِ لهما اللّذان سيكونان هناك وأمّا العذاب والظلمة وما أشبه ذلك فهو الابتعاد من الله وفناءُ النفوس بواسطة تقريع الضمير لأجل ما عدموهُ من الاشراقات الإلهية بواسطة التواني والنعيم الوقتي.
فبإفراط تعطفك الذي لا يوصف أيها المسيح الإله أهلنا لصوتك المأثور وأحصنا مع الماثلين عن ميامنك وارحمنا، آمين.

✥ السِّنْكسَار ✥
✥ القديسون الشهداء يوليانوس وكلسيوس وأنطونيوس وأنسطاسيوس والشهيدتان ‏فاسيليسّا ومرسيونيللا مع الأولاد السبعة والجنود العشرين (+3130م)‏: استشهدا في أنتينوي (الطيبة) في مصر .
✥ القديسان الشهيدان ثيوفيلوس الشمّاس وهيلاديوس الليبيّان (القرن4م)‏: عذبهما والي ليبيا الروماني عذاباً مراً لاعترافهما بالمسيح رباُ و إلهاً و تمسكهما به . صمدا الى النهاية آمنين . تكللا بالمجد .
✥ القديسة البارة دومنيكا (القرن 5م):
كانت ولادة القديسة دومنيكا في قرطاجه أيام الإمبراطور البيزنطي ثيودوسيوس الكبير (379_395‏م). وثمة من يقول إنها أبصرت النور سنة 384 ‏م. تلقت العلم في موطنها ثم انتقلت إلى القسطنطينية برفقة أربع فتيات رفيقات لها. لعل قصدها كان طلب العلم، ولكن كان لله بشأنها تدبير آخر. لم تكن دومنيكة، إلى ذلك الوقت، قد عرفت الله، فجاء سفرها إلى القسطنطينية فرصة للاهتداء إلى المسيح. فلمّا اقتبلت، هي ورفيقاتها، المعمودية المقدِّسة بيد البطريرك نكتاريوس (381_397‏م)، عزمت الفتيات ‏الخمس، للحال، على السلوك في الحياة الملائكية. ‏جاهدت دومنيكا في معارج الحياة النسكية جهاداً بطولياً إلى أن تكمّلت بالقداسة. عاشت إلى سن التسعين تقريباً. تحلّقت حولها العذارى فرعتهن بخوف الله. وقد أسّست ديراً في المدينة المتملّكة على اسم القديس زكريا. منّ عليها السيّد، له المجد، باجتراح العجائب، فكانت عوناً للملتجئين إليها. من الآيات المروية عنها أنها نجّت بحارة من الموت بعدما عصفت بهم الرياح في عرض البحر. كذلك كانت لدومنيكا البصيرة الحسنة التي سمحت لها بمعرفة مكنونات القلوب. وتسنّى لها أن تعرف المستقبلات فتنبأت بموت الإمبراطور وحوادث أخرى. أخيراً عرفت، بدقة، يوم رقادها، فأسلمت الروح فيه بسلام. وقد قيل إن وفاتها كانت في حدود العام 474 ‏م.

✥ القديس باسيليوس الكبير رئيس أساقفة قيصرية الكبادوك‎ ‎‏(+379م)‏:


تراث قداسة: ولد القديس باسيليوس الكبير أواخر العام 329م أو أوائل 330م. العائلة التي احتضنته كانت مميزة بتراثها وسيرتها ومواهبها ومكانتها. عنوانها كان التقى والولاء للرب يسوع. ولها الحياة النسكية فخر واعتزاز. جده من جهة أمه شهيد للمسيح وجداه من جهة أبيه معترفان. صودرت ممتلكاتهما ولجأا إلى جبال سبسطيا الأربعين وكانت الأيائل تطعمها كما جاء على لسان القديس غريغوريوس اللاهوتي (الحديث 20). ورد ذكرهما كقديسين في بعض التقويمات في 14 كانون الثاني. أما قديسنا فأنشأته جدته مكرينا الكبرى على الفضيلة لما كان عندها في منزل ريفي في قيصرية الجديدة في البنطس. مكرينا الكبرى كانت أيضاً قديسة تتلمذت على يد القديس غريغوريوس الصانع العجائب (17 تشرين الثاني). وقد شهد هو نفسه لها، في غير مناسبة. أنه لم ينس طيلة حياته ما خلفته في نفسه مواعظ جدته ومثالها الطيب. كذلك كان والداه مميزين. والده باسيليوس الأكبر كان فذاً في علمه، لاسيما في البيان والخطابة، راقياً في روحه. القديس غريغوريوس اللاهوتي يصفه بـ "معلم الفضيلة في إقليم البنطس". كانت له أملاك واسعة في ثلاثة أقاليم في آسيا الصغرى، وسرى اعتقاد بين الناس أنه صانع عجائب. أمه أماليا كانت ورعة صالحة جميلة بين النساء. وقد أنجب الزوجان عشرة أولاد، خمسة ذكور وخمس إناث. يعيد لهما في بعض التقويمات في 30 أيار. خمسة من أولادهما صاروا قديسين. فبالإضافة إلى قديسنا المعيد له اليوم، عندنا نكراتيوس و غريغوريوس أسقف نيصص و بطرس أسقف سبسطيا و مكرينا المدعوة الحكيمة. ويفيد القديس غريغوريوس اللاهوتي أن بقية أفراد الأسرة لم ينقصوا عن إخوتهم في سلامة الطوية والسيرة النقية ولو اختاروا الحياة الزوجية.
قيصرية الكبادوك: كانت ولادة القديس باسيليوس في قيصرية الكبادوك. الكبادوك معناها "ذات المنظر المستدير". وهي ناحية شاسعة من نواحي آسيا الصغرى. تحيط بها أرمينيا من الشرق وكيليكيا من الجنوب وغلاطية وليكاؤنية من الغرب والبنطس من الشمال. الكبادوك تسمية أطلقها الفرس. قبل ذلك عرف سكانها بـ "السوريين" أو "السوريين البيض". طولها التقريبي حوالي 400 كلم. كانت تعتبر واحدة والبنطس. يصل بعض قممها إلى ما يزيد على الألف من الأمتار علواَ. فيها الكثير مما يشبه الأبراج الصخرية المسننة والبساتين. بردها في الشتاء قارص وحرّها في الصيف لاهب وربيعها طوفان وبرد ورياح شديدة. مشهورة بأحصنتها والتندر الساخر لشعبها. يتسم شعبها بالجد والصرامة والرقة في آن. كان يحلو لجيرانها أن يخبروا بشأنها أن أفعى لسعت كبادوكياً فماتت الأفعى. وكانت لسكانها لكنة فظة قاسية على آذان الهيلينيين. أما قيصرية فكانت العاصمة المدنية والكنسية لكبادوكيا. سكانها، في ذلك الزمان، كانوا في حدود النصف مليون. وهي مدينة مهمة فسيحة رخامية الأعمدة. غنية بقصورها. تزدان بالجنائن المعلقة. وتقع على الطريق الروماني الواصل أفسس بالمشرق. عند سفح جبل أرغايوس، وسينوبي ببابل والفرات. تجارتها واسعة مزدهرة. تتفاعل فيها تأثيرات حضارية شتى، فارسية وسورية وهيلينية. في هذا المناخ الطبيعي والإنساني والحضاري ترعرع قديسنا.
نشأة القديس ودراسته: كان القديس باسيليوس معتل الصحة منذ طفوليته. وقد ذكر أخوه، القديس غريغوريوس النيصصي، أن مرضاً خطيراً أصابه وهو صغير كاد أن يقضي عليه لولا صلوات أمه وتضرعاتها. طفولته الأولى كانت في حضن جدته. كما ذكرنا، ثم اهتمت به أخته الكبرى مكرينا، رباه والداه على محبة الكلمةوجمال التعبير وحسن الأداء. فلما رقد أبوه تردد على دور العلم في قيصرية لبعض الوقت ثم انتقل إلى القسطنطينية وقيل إلى أنطاكية أيضاً. ويبدو أن احد معلميه كان ليبانيوس المعروف الذي شهد أنه كان يشعر بالغبطة كلما سمعه يتكلم. سنة 351م طلب العلم في أثينا حيث أقام خمس سنوات يدرس على كبار معلمي زمانه التاريخ والشعر والهندسة وعلم الفلك والمنطق والبلاغة والبيان والفلسفة والطبابة العملانية. ويظهر أن باسيليوس تمكن جيداً مما تعلمه وبرز فيه.

Mere Dieu

 

عيد جامع لوالدة الإله الفائقة القداسة

 

في السادس والعشرين من شهر كانون الأول، أي في اليوم التالي من عيد ميلاد ربّنا وإلهنا ومخلّصنا يسوع الميسح تحتفل كنيستنا الجامعة المقدسة الرسولية بعيد أخر تطلق علية اسم عيد جامع لوالدة الإله.
تشهد المخطوطات الى ان هذا العيد يعد احد أقدم و أوّل الأعياد المعروفة لوالدة الإله، موضحة ان تاريخه يعود للقرن الخامس الميلادي.
أمّا بالنسبة للأمور الذي دعت الكنيسة الى هذا فهي التالية: أولاً إن الفائقة القداسة كانت الأداة “الخادمة” التي بها تمَّم الله قصده أي سر التجسّد والفداء. ثانياً هو بمثابة تأكيد وترسيخ على إتمام بشارات أنبياء العهد القديم كلّها التي تحقّقت في شخص والدة الإله.
فمنها الكلمة صار جسداً وحلّ بيننا ومَن لا تسعه السماوات ارتضى أن يتّسع في أحشاء امرأة، بطريقة سرية تفوق العقول، دون ان تعرف رجلاً.
لأجل هذا كرّمتها الكنيسة بالكثير من الألقاب المتنوّعة ومن بينها: السيّدة العذراء، السماء الثانية، الدائمة البتوليّة، الكلية القداسة، ألنبع المُعطي الحياة، السريعة الإستجابة، فرح المحزونين والممتلئة نعمة كما سماها رئيس الملائكة جبرائيل، ولكن بلا أدنى شك أن الاهم والاعظم بين هذة الألقاب هو والدة الإله.
سائر الاباء القدّيسين المتوشحيين بالله أكّدوا أنّ العذراء استحقت أن تُسمّى بهذا الإسم العظيم أي والدة الإله : لأنّ الطفل المولود منها هو إبن الله الوحيد، المولود من الاب قبل كل الدهور وأساس الغلبة على الشر.
بناء عليه فإنّ والدة الإله التي هي عذراء قبل الولادة، في الولادة وبعد الولادة ولدت إبن الله وكلمته الأزليّة وليس شخصاً أخر. أيضا شدّد معلمو الكنيسة على أنَّ لقب والدة الاله يؤكِّد على الوهيّة المسيح.
ولا يخفى أن هذه التفسيرات مأخوذة بدلائل من الانجيل المقدس، فالقديس بطرس الرسول يشهد “أَنْتَ هُوَ الْمَسِيحُ ابْنُ اللهِ الْحَيِّ”. ومن هنا القديس يوحنا الدمشقي (البلبل الغريد) يقول ان: لقب والدة الإله يعبِّر عن كل سر التدبير الإلهي للخلاص.
من الجدير بالذكر أن بعض الجماعات الهرطوقية مثل شهود يهوه، اللوثريين، البروتستانت وغيرهم يعترضون على تلقيب العذراء بلقب والدة الإله.
لكن حسب الكثير من المراجع مثل هذه الهرطقة الفقيرة عن الحقيقة ليس بالجديدة، فمنذ القرون الاولى للمسيحية أثير جدل عقائدي حول قضيّة إن كانت العذراء قد ولدت إنسانا أو إلهاً أزلياً. زعيم هذه الهرطقة كان نسطوريوس بطريرك القسطنطينية الذي رفض تسمية العذراء بلقب والدة الإله.
دفاعاً عن الإيمان المستقيم الرأي من الضروري أن أي تعليمٍ أخر، يتجاهل تعليم الكنيسة نحو والدة الاله (مثل تعليم الجماعات التي وردت سابقاً) هو مرفوض مطلقاً ومهرطق لأنة بكل بساطه يتناقض مع الأدلّة الموجودة في تعاليم الكتاب المقدس والمجامع المسكونية التي تحمل كل حقائق الإيمان المسيحي الأرثوذكسي.
طبعا أن المسيحيين الحسني العبادة الارثوذكسيين الذين لا يعتبرون انفسهم كالبروتستانت وغيرهم من البدع بل تابعين للتقليد الحقيقي يُكرِّمون منذ القرن الخامس الميلادي حتى يومنا هذا العيد الجامع لوالدة الإله الفائقة القداسة (الذي نُقيم تذكارة اليوم وكل عام) تنفيذاً لاوامر الكنيسة حسب الأصول، اي بذكرها بصلوات خاصّة، تماجيد وتسابيح مقدسة.
فبشفاعات والدة الإله يا مُخلِّص خلّصنا. آمين


✤ السّنكسار ✤


✥ ميلاد ربّنا وإلهنا ومخلّصنا يسوع المسيح بالجسد: لما حان مل ء الزمان أرسل الله ابنه مولوداً من امرأة، مولوداً تحت الناموس ليفتدي الذين تحت الناموس لننال التبني "(غلا 4‏:4-5). ‏بميلاد الرب يسوع المسيح بالجسد من مريم البتول حلّ ملء الزمان فتحقّق قصد الله للعالمين وتمّت مواعيده. هذا هو الذي به وعد الله بأنبيائه (رو1‏:2) ‏وعنه تحدّث موسى والأنبياء والمزامير (لو24‏:44)‏ وله تشهد الكتب المقدّسة (يو5‏:39‏). إليه، منذ فجر التاريخ، كان اشتياق كل نفس على نحو اشتياق العروس إليه في نشيد الأنشاد لما هتفت: "أنا لحبيبي وإليّ اشتياقه" (نشيد 10:7). واليوم اكتمل الزمان فبات بإمكاننا أن يخاطب بعضنا بعضاً كما خاطب فيليبس نثنائيل لما قال له: "قد وجدنا الذي كتب عنه موسى في الناموس والأنبياء يسوع ابن يوسف الذي من الناصرة" (يو1‏:45)‏.
✥ ‏الميلاد في الإنجيل: ‏الكلام على ميلاد الرب يسوع بالجسد ورد مفصلاً في إنجيلين وحسب هما إنجيل متى (1‏:18-2‏:23) وإنجيل لوقا (1:2-20‏). ‏أما متى الإنجيلي فجعل ولادة الرب يسوع في أيام هيرودوس الملك المعروف بـ "الكبير". هذا ملك على اليهودية بين العامين 37 ‏و4 ‏ق.م. هنا يُطرح سؤال: كيف يمكن أن يكون هيرودوس قد رقد في تاريخ سابق لميلاد الرب يسوع إذا كان الرب يسوع قد وُلد في زمانه؟ الجواب هو أن التأريخ على أساس ميلاد الرب يسوع بدأ في القرن السادس للميلاد بسعي راهب اسمه ديونيسيوس أكسيغوس. هذا حسب، خطأ ، أن ولادة السيد كانت في السنة 753 ‏لتأسيس مدينة روما (رومية). ولكن تبيّن، فيما بعد، أن هيرودوس رقد قبل ذلك بأربع سنوات، أي في السنة 749 ‏لتأسيس روما، فتكون وفاة هيرودوس قد حدثت، وفق تقويم ديونيسيوس الميلادي، في 4 ‏ق.م. أما ولادة الرب يسوع فليس تاريخها معروفاً بصورة محددة دقيقة. ويوقعه الدارسون ما بين السنة التاسعة والسنة الرابعة قبل الميلاد .‏أما لوقا الإنجيلي فجعل ولادة الرب يسوع بعد ولادة يوحنا بن زكريا بما يقرب من الأشهر الستّة (راجع لو26:1-36). هذا الأخير حبلت به أليصابات أمّه في زمن هيرودوس الملك (5:1 ‏وما يتبع). ومع ذلك فقد ربط لوقا ولادة الرب يسوع بحدث تاريخي من زمن أوغسطوس قيصر (29‏ق.م - 14 ‏ب.م) هو إحصاء السكان في "كل المسكونة"، على حد تعبير لوقا، أي في كل الإمبراطورية الرومانية، لأغراض ضريبة أولاً. هذا المسح السكّاني أسماه لوقا "الاكتتاب الأول". الوالي الروماني على سوريا، في ذلك الحين، كان يُدعى كيرينيوس، ويُظن أنه تولّى الإشراف على السياسة الرومانية في الشرق الأدنى منذ العام 12 ‏ق.م . ‏‏ولد الرب يسوع من مريم البتول بعدما حُبل به فيها من الروح القدس (مت1‏:20, لوقا 35:1‏) من غير أن تعرف رجلاً. مريم كانت عذراء مخطوبة لرجل من بيت داود اسمه يوسف (لو27:1‏). هو دُعي رجلها (مت19:1‏) وهي دُعيت امرأته (مت1‏:20‏) لأن الخطوبة، في الشريعة الموسوية, عقد زواج ملزم ولو نقصه العرس ليكتمل وأن يأخذ الزوج امرأته إلى خاصته (راجع تثنية 13:22 ‏وما يتبعها). تردّد يوسف، أول أمره، لما ‏عرف أن مريم حبلى. خطر بباله أن يطلقها. وإذ كان باراً ولم يشأ أن يعرّضها للفضيحة وللموت رجماً همّ أن يفعل ذلك سرّاً. في الشريعة الموسوية تُرجم الزوجة وكذلك العذراء المخطوبة إذا تبين أنها عرفت رجلاَ غير رجلها (راجع تثنية22). هنا تدخّل ملاك الرب وكشف له حقيقة أمر مريم ودعاه لأن يأخذها إلى خاصته غير مرتاب، وأن يعطي الابن الموعود اسم يسوع. تسمية المولود الجديد كانت, في العرف, امتيازاً لأب الولد, وكانت بمثابة إقرار منه أنه ابنه الشرعي (راجع لو57:1-63) تجدر الإشارة إلى أن الابن الشرعي عند اليهود كان يحسب من نسب أبيه بغضّ النظر عما إذا كان من صِلبه أم لا. لهذا السبب جاز القول عن يسوع أنه ابن يوسف (مت 55:13, لو22:4).

✥ السِّنْكسَار ✥


✥ أحد النّسبة: وهو الأحد السابق مباشرة لعيد الميلاد وقسم أساسي منه أن يبيّن الإنجيلي أن يسوع هو ابن ابراهيم ليدل على أن السيّد يختم العهد القديم الذي أقامه الله مع ابراهيم وأنه أيضاً ابن داود وملوك يهوذا وزربابل رئيس الشعب اليهودي بعد سبي بابل. الكثير من العائلات اليهوديّة كان عندها شجرة العائلة لأغراض مختلفة. عندنا في هذه الشجرة 27 شخصاً وهم ليسوا كلّهم ملوكاً بل أشخاص عاديون. وغالباً ما أخذ متى اللائحة من أحد المصادر. المسيح هو صفة يسوع وتعني الممسوح من الله. الشيء الرئيسي في اللائحة اسما ابراهيم وداود. في اللائحة أسماء ثلاث نساء راحاب الزانية إحداهن،ّ و"التي كانت لأُريّا" أخذها داود من زوجها. ويقول القديس يوحنا الذهبي الفم إن ذكر هاتين المرأتين وراعوث إنما يعني أنّ يسوع ينحدر من الجنس البشري كما هو. هناك أربعة عشر اسماً في كل من المجموعتين الأوليين، أما المجموعة الثالثة ففيها 13 اسماً. ولكن ربما قال متى أن في كل مجموعة 14 اسماً لأن هذه هي القيمة الرقميّة لاسم داود الذي يُكتب بالعبريّة "دود"، وحرف الدال هو4، وحرف الواو هو 6، ومجموع هذه الحروف الثلاثة 14. أما موضوع مولد المخلّص فهو أن مريم كانت مخطوبة ليوسف أي زوجته الشرعيّة ولكنّها منفصلة في المسكن. وسمّاها الملاك "امرأتك مريم" لأنها كانت كذلك وهي عزباء، والمعنى: خذها إلى بيتك. ما عند متى ولوقا أن هذا المولد بتولي أي بلا مشاركة رجل. الولد اسمه يسوع ويعني أن الله مخلّص. فأخذ امرأته (أي إلى بيته) ولم يعرفها حتى ولدت ابنها البكر. البكر تعني أول ولد. ولا تعني بالضرورة أن له إخوة. "لم يعرفها" عبارة تنفي العلاقة قبل الميلاد ولا تؤكّد العلاقة بعده. لأن الذي يهم متى أن يؤكّد الميلاد البتولي، وهو لم يكتب سيرة مريم ليقول ما حصل لها بعد الميلاد. كونها "دائمة البتولية" غير وارد في الانجيل. إنّه وارد في المجمع المسكوني الخامس، وتقوله الكنيسة في طقوسها، ووردت عنه شهادة الآباء منذ القرن الثاني. هكذا اعتقد المسيحيون منذ البدء وقالوا إنها بتول "قبل الولادة وفي الولادة وبعد الولادة". كيف كان هذا في الولادة؟ لا نعرف. إن هذا معتقدنا. هَمّ متى الانجيلي أن يؤكّد أن المسيح ليس ابن رجل. إنه فقط ابن مريم. أما لماذا تنتهي شجرة العائلة بيوسف؟ ذلك أن الإنسان عند اليهود وعند معظم الشعوب اليوم منسوب إلى أبيه أو المظنون (في هذه الحالة) أنه أبوه. لماذا أقمنا في الكنيسة أحد النسبة؟ الفكرة الأساسيّة أن يسوع بَشَرٌ كما هو إله، وكان يجب تأكيد أنه بشر بتبيان أن له آباء أهمهما ابراهيم وداود، والانجيل قال في غير موضع أنه ابن داود. لقد ظهر أوطيخا وقال إن المسيح كان إلهاً ولم يكن إنساناً، وكفرت الكنيسة بدعته لأنه، إن لم يكن انساناً، كيف يكون قد مات؟ مهم جداً أن يكون بشراً وأن يكون الله وحده أباه حتى لا يحمل وزر خطيئة آدم. ابن الله هو نفسه ابن الانسان أو ابن الإنسانيّة كلها التي سبقته. بهاتين الطبيعتين الإلهيّة والإنسانية نعبده مخلّصاً لنا. إذًا، الكلام في الرسالـة والإنجيـل هـو مضمـون أحـد النسبـة السابـق لعيـد ميـلاد الـرب. الـرسالـة تسمّـي شخصيـات مـن العهـد القـديـم، جـدعـون وبـاراق وغيرهما والأنبياء الذين تحدّثوا بطرق او أخرى عن ظهـور المخلّص. ومقـطـع الإنجيـل المـأخـوذ مـن متى يـذكُـر شخصيـات كبيـرة متحـدّرة مـن إبـراهيـم جـاء منهـا الـرب يسـوع تنتهـي بيـوسف خطيـب مـريم لأن النَسَـب هـو للمـظنـون والدًا كمـا يقـول عنـه لـوقـا فـي لائحـة النَسَـب الصـاعـدة أي التـي تبـدأ بيـوسـف وتـنـتـهي بـآدم. تكلّمـت الـرسـالـة عـن فضـائـل هـؤلاء: "عملوا البِرّ ونالوا المواعد ونجوا مـن حـدّ السيـف وتقـوّوا من ضعف”، وتحدثت عن جهادهم الروحيّ "تائهين في البـراري والجبـال والمغـاور”. "هؤلاء كلهم، مشهودًا لهم بالإيمان، لم ينـالـوا الموعـد حتـى لا يكمُـلـوا بدوننـا” والمعنى أنه لا كمال إلا بمجيء المخلّص. والكلمـة المفـتـاح هي الإيمان. كذلك الإيمان هو صفة الذين ذكرهم متّى في مطـلع إنجيـله، هذا المطلع الذي نقرأه مضمونه الإيمان. ابتدأ لوقا الإنجيليّ بإبراهيم أبي المؤمنين لأنه أول انسان آمن بالله الواحد. وبعده جاءت الشريعة بموسى، وبعده جاء داود أبو المسيح. لماذا كل هذه الأسماء؟ ليُبيّن متّى البشير أن ثمة تسلسُلا من أجيال مؤمنة الى المسيح الذي ما جاء لينقض بل ليُكمل. يسوع تحدّر في بشريته مِن نسلٍ مؤمنٍ واكتمل الإيمان به. بعد ورود هذه الأنساب، روى متّى ما يتعلّق بميلاد الرب من مريم. العذراء تحبل، وهذا وردَ عند إشعياء النبي، وتلد ابنًا ويُدعى اسمُه يسوع (يهوشع باللغة العبرية) التي تعني "الله يخلّص” بهذا الشخص المولود ليس من رغبة رجل ولكن بمشيئة أبيه الذي في السموات. يوسف لم يعرف مريم جسديًا قبل ولادتها. ولم يعرفها بعد هذا، ولبثت عذراء. وهي "الدائمة البتولية” كما عرّف عنها المجمع المسكونيّ الخامس. وأما عبارة "إخوة يسوع” فتدلّ في اللغة العبرية على أنسبائه، ولا تعني في هذه اللغة بالضرورة أنهم من أُمّه. وليس هنا مجال للتوسّع بهذا، ولكن هذا هو إيمان الكنيسة. كيف نستقبل ميلاد يسوع؟ هو ميلاد من أجل الخلاص الذي نناله بموته وقيامته. ولهذا سمّته الكنيسة "العيد الصغير” وسمّت الفصح "العيد الكبير”. يسوع وُلد من عذراء ويريد أن يولد كل يوم روحيًا من نفس عذراء أي ليس فيها أثر للخطيئة. الإنسان المحبّ للخطيئة او المشتاق اليها لا يتقبّل يسوع في نفسه. السيد في جسده كان منسوبًا الى إبراهيم وإلى نسله. المهم أن تكون أنتَ منسوبًا الى المسيح بروحك الطاهرة. الميلاد إذًا يتم كل يوم فيك إذا قبِلتَ أت تطرد كل غشّ وكذب ودنس وبغض وانتقام وتسلّط وكبرياء. اذا جمعتَ جمالات الفضيلة في ذاتك، يخرج منها يسوع الى العالم ليضيء هذا العالم بنعمته. لا تُعيّد فقط بالهدايا للصغار. هناك هديّة واحدة أعطاها الآب للبشر هي المسيح. إذا أطعتَه فأنتَ ثابت فيه وهو ثابت فيك. أن تحمل السيد في ثنايا كيانك يجعلك أنتَ هديّة للبشر جميعًا. المحبّة هي الهديّة.

 

رأس السنة الكنسيّة في 1 أيلول:


تعيّد الكنيسة لرأس السنة في 1 أيلول كرأس السنة الكنسيّة ويدعى بـ "الأنديكتي" من اللفظة اليونانية "انديقتيون".
محطّات في أوّل شهر أيلول:

1- كان القياصرة الرومان يفرضون جزية سنوية على رعاياهم، وهذه الجزية تدفع لنفقات الجنود، وكان وقت جمع هذه الجزية هو قبل الشتاء أي في شهر أيلول، وكانوا يسمونها "أنديكشيو" وتعني حداً، أو إعلامًا عن الجزية، ومنها أتت الكلمة اليونانية "أندكتيون" التي تعني في الكنسية بداية السنة الجديدة.

2- اعتباراً من القرن الرابع الميلادي كانت السنوات تُحسب بحسب دورة مالية من السنين تدعى " أنديكتيون " Indiction ومدّتها 15 سنة، لها علاقة بجباية الضرائب حيث يُعاد فيها تخمين الأملاك الضريبية، ولم تنه السلطة البابوية العمل بتلك الدورة المالية إلا في القرن العاشر أيام البابا "يوحنا الثالث عشر" 965 -972م، حيث بدأ استعمال "التقويم الميلادي" الذي أنشأه الراهب "ديونيسيوس أكزيجوس" بين 500 -525م، والذي لم يصبح معمولًا به في "أوروبا" إلا في القرن الحادي عشر الميلادي وفي "إسبانيا" في القرن 14م، وفي "اليونان" في القرن 15م.

3- كانت حياة الناس قديماً تعتمد على الزراعة وكان كلّ شيء مرتبط بالمواسم الزراعيّة ويظهر هذا جليًّا بالعبادة والطقوس الدينيّة عند الوثنين واليهود في العهد القديم.

4- شهر أيلول هو موسم جمع الأثمار والحبوب إلى المخازن، وإعداد العدّة لإلقاء البذور، في الأرض، من جديد. تصلّي الكنيسة في هذا اليوم من أجل إكليل السنة ومباركته.... ( طلبة رأس السنة) " يا مانحاً من السماء الأزمنة والأمطار المخصبة للذين على الأرض، تقبّل، أيضاً الآن، ابتهالات عبيدك... فإن رأفاتك تعمّ حقاً جميع أعمالك. بارك كلّ دخول وخروج نأتيه مسهّلاً أعمال أيدينا....(كاثسما للأنديقتي – صلاة السحر).
ملاحظة: لا يزال المزارعون حتى الآن يبنون حساباتهم على أن السنة الزراعية تبدأ في شهر أيلول.

5- تحتفل الكنيسة، في هذا اليوم، بذكرى دخول الرّب يسوع المسيح إلى مجمع اليهود في الناصرة، حيث دُفع إليه سفر إشعياء النبي، على ما ذكر لوقا الإنجيلي، فقرأ: "روح الرب عليّ لأنه مسحني لأبشر المساكين، أرسلني لأشفي المنكسري القلوب، لأنادي للمأسورين بالإطلاق وللعمي بالبصر، وأرسل المنسحقين في الحرية وأكرز بسنة الرب المقبولة". (لو4)
إذ تحتفل الكنيسة بهذه الذكرى، تدخلنا في الزمن الجديد، في سنة الرّب المقبولة، في زمن ملكوت السموات الذي دشّنه الرب يسوع المسيح عندما أعلن، بعدما انتهى من قراءته من سفر إشعياء، "أنه اليوم قد تمّ هذا المكتوب في مسامعكم".
خلاصة: على هذا يكون بدء السنة الكنسية الجديدة قد اقترن بالسعي لتقديس الخليقة من خلال تقديس الذات وبذلك نحقق الملكوت السماوي على الأرض ممجدين الخالق بمخلوقاته، آمين.


 

✥ اَلسِّنْكسَار ✥


✥ أَهَمِّيَّةُ ٱسْمِ والِدَةِ الْإِلٰهِ: إِنََ ٱسْمَ وَالِدَةِ الإِلٰهِ يَحمِلُ في مَعْناهُ كُلَّ سِرِّ التَّدْبيرِ الخَلاصِيِّ لِلبَشَرِ. هٰذا ما عَبَّرَ عَنهُ الْمُدافِعُ الكَبيرُ عَنِ الأَيقوناتِ القِدِّيسُ يُوحَنَّا الدِّمَشْقِيُّ. هٰذا الِاسْمُ، بِالتَّحديدِ، يُشيرُ إلى الحَدَثِ الأَهَمِّ في البَشَرِيَّةِ جَمْعاءَ، أَلا وَهُوَ ٱتِّحادُ الطَّبِيعَةِ الإِلٰهِيَّةِ بالطَّبيعَةِ البَشَرِيَّةِ، وبِالتَّالي هُوَ خَلاصُ البَشَرِ مِنَ الفَسادِ والخَطيئَةِ. صَحيحٌ أنَّ هٰذا الِاصْطِلاحَ "والِدَةُ اللهِ" ثُبِّتَ في المجمَعِ الْمَسْكُونِيِّ الثَّالِثِ الَّذي ٱنعَقدَ في أَفَسُسَ عامَ ٤٣١م، إلَّا أَنَّ رُوحانِيَّتَهُ كانَتْ مَوجُودَةً، بقوَّةٍ، إِذْ أَتى في دُستورِ الإيمانِ في المجمعِ الأَوَّلِ في نيقِيَةَ عامَ ٣٢٥م، أنَّ "ٱبنَ اللهِ تَجَسَّدَ مِنَ الرُّوحِ القُدُسِ وَمَرْيَمَ العَذْراءِ. كَذٰلِكَ لا يَجِبُ أَنْ يَغيبَ عَنْ فِكرِنا ما قالَتْهُ أَليصاباتُ لوالدَةِ الإِلٰهِ عِنْدَما أَتَتِ العَذْراءُ تَخْدُمُها بَعْدَ البِشارةِ مُباشرةً: "فَمِنْ أَيْنَ لي هٰذا أن تَأْتِيَ أُمُّ رَبِّي إليَّ" Mήτηρ τοῦ Κυρίου (لوقا ٤٣: ١). وما أَتى في المجمعِ النِّيقاويِّ ٱعْتِرافٌ واضِحٌ بِطَبيعتَيْنِ للرَّبِّ يَسوعَ المسيحِ، طبيعَةِ ٱبنِ اللهِ الواحدَةِ مَعَ الآبِ في الجوهَرِ، وطَبيعَةِ الإِنْسانِ الْمَولودِ مِنَ العذراءِ. في المقابلِ ٱسْتَعْمَلَ هٰذا الِاصْطِلاحَ قبلَ المجمعِ الثَّالثِ- أَلكسندروسُ الإسكَنْدَرِيُّ (٣١٣-٣٢٦م)-، وَأَعلنَ القدِّيسُ غريغوريوسُ النَّزْيَنْزِيُّ (٣٨٠م) أنَّهُ "مَلْعُونٌ كُلُّ مَنْ لا يَعُدُّ مَريَمَ أُمَّ اللهِ"،THEOTOKOS . إِنَّΤόκος هِيَ صِفَةٌ مِنَ الفِعْلِ τίκτω، وَتَعْني أَلِدُ، أَي: خروجُ الجَنينِ مِنَ الرَّحِمِ (To bring into the world)، وعَلى أساسِها تُصْبِحُ الأُمُّ η τόκος. مِنْ هُنا العَذْراءُ هيَ θεοτόκος، هِيَ أُمُّ الرَّبِّ غيرِ المنفَصِلِ في طَبيعتَيْهِ الإِلهيَّةِ والبشريَّةِ، وليسَ Χριστοτόκος، أَي أُمَّ المسيحِ كَما ٱدَّعى نسطوريُوسُ عِنْدَما وقَعَ في الهرطقَةِ. فالرَّبُّ يَسُوعُ المسيحُ مَولودٌ غَيْرُ مَخلوقٍ، بِمعنى أنَّهُ غَيْرُ مَصنوعٍ أَو مَجبولٍ بِيَدٍ، وَغيرُ مُنْقَسِمٍ على ذاتِهِ، بَلْ هوَ إلٰهٌ كاملٌ وإنسانٌ كاملٌ. وَنَحْنُ نَرى على أيقوناتِ والِدَةِ الإِلٰهِ الأَحْرُفَ اليُونانِيَّةَ MP ΘY؛ هٰذِهِ الأَحرفُ هيَ تَلْخيصٌ لِـMήτηρ Θεού ، أَيْ والِدَةِ الإِلٰهِ. وَجَيِّدٌ أَنْ نَعرِفَ أنَّ Θεομήτωρ هِيَ أَيضًا والدةُ الإِلٰهِ. 


✥ عِيدُ رُقادِ سَيِّدَتِنا والِدَةِ الإِلٰهِ الفائِقَةِ القَداسَةِ، وَٱنْتِقالِها إِلى السَّماءِ: أُصُولُ هٰذا العيدِ غامِضَةٌ. قَبلَ العامِ 500م كانَ يُحْتَفَلُ بِهِ في فَلِسْطِينَ في 28 آب، فيما كانَ الْمِصْرِيُّونَ يَحتفلُونَ بِهِ في 18 كانونَ الثَّاني. اِنتقلَتِ العادَةُ الْمِصريَّةُ إِلى بلادِ الغالِ (فرنسا) في القرنِ 4م. بينَ الرُّومِ ٱتَّبَعَ البعضُ العادَةَ الفَلِسْطِينِيَّةَ، والبَعْضُ الآخَرُ العادَةَ الْمِصريَّةَ. أَمَّا ٱعتمادُ تاريخِ 28 آب في كُلِّ الإمبراطورِيَّةِ، بِصُورَةٍ نِهائِيَّةٍ، فَكانَ بِتَدْبيرِ الإِمبراطورِ البيزَنْطِيِّ مُوريق في القَرْنِ 7م. ثَمَّةَ كِتاباتٌ مَنْحُولَةٌ تُنْسَبُ إلى القِدِّيسِ يُوحَنَّا الإِنْجِيلِيِّ، وَالقِدِّيسِ مليتونَ أُسْقُفِ سَرْدِيسَ، والقدِّيسِ دِيونيسيوسَ الأَرْيوباغِيِّ، تُشيرُ إِلى ٱنتقالِ مَريمَ، والِدَةِ الإِلٰهِ. هٰذهِ تعودُ إلى حُدودِ القَرْنِ الخامسِ لِلميلادِ. وهُناكَ عِظاتٌ تَتَحَدَّثُ عَنْ رُقادِ والدةِ الإلٰهِ وٱنتِقالِها، لَدى قِدِّيسِينَ، كَأندراوسَ الكريتيِّ، ويُوحَنَّا الدِّمشقيِّ، وجرمانوسَ القِسْطَنْطِينيِّ، وثيودوروسَ الستوديتيِّ وغريغوريُوسَ بالاماس. العَناصِرُ الأَساسيَّةُ للعيدِ مُعَبَّرٌ عَنها بوضوحٍ في الخدمَةِ الليتورجيَّةِ.
والدةُ الإِلٰهِ ذاقَتِ الموتَ، رقدَتْ، وأُودِعَتِ القَبرَ، لٰكنَّها لم تَعرفْ فَسادًا؛ لأنَّها ٱنتقَلَتْ إِلى السَّماء. في "كاثسما" سَحَرِ العيدِ نُخاطِبُها على هٰذا النَّحْوِ: "أَمَّا في مِيلادِكِ، فَحَبَلٌ بِغَيْرِ زَرْعٍ، وَأَمَّا في رُقادِكِ، فَمَوْتٌ بِغَيْرِ فَسادٍ". وَفي الأَوْدِيَةِ التَّاسعةِ من صَلاةِ السَّحَرِ نَقولُ: "إِنَّ الْمَوْلِدَ بَتُولِيٌّ، والْمَوْتَ قد صارَ عُربونًا للحياةِ". منْ جِهَةٍ أُخرى، في صَلاةِ الغروبِ، في "بْرُوصُومِيَّةٍ" على "يا رَبِّ إِلَيْكَ صَرَخْتُ": "إنَّ يَنْبوعَ الحياةِ قدْ وُضِعَتْ في قبرٍ، واللَّحْدَ قدْ صارَ سُلَّمًا مُصْعِدَةً إلى السَّماءِ". هٰكَذا ٱنتقَلَتْ منْ حياةٍ إلى حياةٍ (صَلاةُ الغُروبِ، قِطْعَةُ اللِّيتِين). اِنتقَلَتْ مِنَ الأرضِ إلى السَّماءِ (بْرُوصُومِيَّةٌ عَلى "يا رَبِّ إِلَيْكَ صَرَخْتُ"). وقَدْ كانَ ٱنتقالُها بتمجيدٍ، وبحالٍ تفوقُ الوصفَ، على يَدَيِ ٱبنِها وسيِّدِها (صَلاةُ الغُروبِ، قِطْعَةُ الأَبُّوسْتِيخا). كُلُّ الأرضِ والسَّماءِ مَعْنِيَّةٌ بِرُقادِها. لذٰلكَ نُشَدِّدُ "أَنَّ السُّلُطاتِ والكراسِيَّ والرِّئاساتِ والأَربابَ والقُوَّاتِ والشَّاروبيمَ والسَّارافيمَ الْمَرهوبينَ يُمَجِّدونَ رُقادَكِ، ويَبتهجُ الأَرْضِيُّونَ مُزَيَّنينَ بِمَجدِكِ الإلٰهيِّ، وتَسجدُ الْمُلوكُ معَ رُؤَساءِ الْمَلائكةِ، والْمَلائكةُ يُرَنِّمونَ..." (بْرُوصُومِيَّةٌ على "يا رَبِّ إِلَيْكَ صَرَخْتُ"، صَلاةُ الغُروبِ). كَذٰلكَ، في صَلاةِ السَّحَرِ، أنَّ رقادَها كانَ حَدَثًا كَوْنِيًّا، إِذِ "ٱنتقَلْتِ بِرُقادِكِ الْمُوَقَّرِ إلى الحياةِ الخالدةِ مَحْفوفَةً بالملائكةِ والرِّئاساتِ والرُّسُلِ والأَنبياءِ وسائرِ الخليقَةِ" (صَلاةُ السَّحَرِ، قِطْعَةُ الإِينُوسِ الثَالِثَة). من هُنا مُخاطَبَتُنا لها بِٱعتبارِها الطَّاهرةَ الحيَّةَ على الدَّوامِ معَ ٱبنِها اللَّابسِ الحياةَ (قِطْعَةُ "الْمَجْدُ والآنَ" على "يا رَبِّ إِلَيْكَ صَرَخْتُ"، صَلاةُ الغُروبِ). بهٰذا صارَ لها منْ حيثُ هٰذِهِ الْمَعِيَّةُ، دَوْرٌ مُشارِكٌ في خَلاصِ البشريَّةِ. رُقادُها جَعَلَها مُساهِمَةً في خلاصِ العالمِ على أَوْسَعِ نِطاقٍ. في إِحْدى طَرُوبارِيَّاتِ الأَوْدِيَةِ التَّاسعةِ نُعَبِّرُ عن هٰذا الْمُعْطى الجديدِ بالكَلِماتِ التَّاليةِ: "يا والدةَ الإلٰهِ، بما أنَّكِ مُنْطَلِقَةٌ إلى الأخدارِ السَّماويَّةِ نحوَ ٱبنِكِ، فأنتِ تُخَلِّصينَ مِيراثَكِ دائِمًا".
في هٰذا السِّياقِ الَّذي حَدَّدَتْهُ الخِدمةُ اللِّيتورجيَّةُ، كتبَ القدِّيسُ غريغوريوسُ بالاماسُ يقولُ: "اليومَ نَحتفِلُ برُقادِها، أوِ ٱنتِقالِها الْمُقَدَّسِ إلى حياةٍ أُخرى. فإِذْ هيَ دونَ الملائكَةٍ قليلًا، لِكَوْنِها قابِلةً لِلمَوتِ، فإنَّها، بِدُنُوِّها منْ إلٰهِ الكُلِّ، قدْ سَمَتْ على الملائِكَةِ ورُؤساءِ الملائِكَةِ وكُلِّ القُوَّاتِ السَّماويَّةِ الأَرْفَعِ مِنْها". وفي عِظَةٍ للقدِّيسِ ثيودوروسَ الستُودِيتِيِّ، في رقادِ والدةِ الإِلٰهِ، هٰذِهِ الِالْتِماعاتُ: "إِذْ نَحْمِلُ على ظُهورِنا ثوبَ الفضائِلِ، نَحْتَفِلُ بِعيدِ دَفْنِ الكُلِّيَّةِ القداسَةِ وعُبورِها إلى السَّماءِ. فإنَّ السَّماءَ على الأرضِ، لَمَّا ٱتَّشَحَتْ بِثَوْبِ الخُلودِ، ٱنْتَقَلَتِ اليومَ إلى الخِدْرِ السَّماوِيِّ الأَبديِّ. اليومَ والدةُ الإِلٰهِ، الَّتي أَطْبَقَتْ عَيْنَيْها الجَسَدِيَّتَيْنِ، تُقَدِّمُ لنا أَنوارًا مُقَدَّسَةً مُشِعَّةً، كانَتْ، إلى عَهْدٍ قريبٍ، غيرَ مَأْلوفَةٍ، وَهِيَ السَّهَرُ على العالمِ، والضَّراعَةُ مِن أجلِهِ أَمامَ وَجْهِ اللهِ. اليومَ، وقدْ أَضْحَتْ خالِدَةً، تَرْفَعُ يَدَيْها إلى الرَّبِّ منْ أجلِ خَلاصِ العالمِ؛ لأنَّها سَمَتْ إلى القِمَمِ، فإِنَّها، كَحَمامَةٍ نَقِيَّةٍ، لا تَكُفُّ عنِ الذَّوْدِ عَنَّا هٰهُنا. أَمَّا وقدِ ٱرتَفَعَتْ إلى السَّماءِ، فإنَّها تَطْرُدُ الأبالِسَةَ؛ لأنَّها صَلاةُ الشَّفاعَةِ، مِنْ جِهَتِنا، لدى اللهِ. الْمَوتُ، قَبْلًا، بَسَطَ سُلطانَهُ منْ خلالِ أُمِّنا حَوَّاءَ، لٰكِنَّهُ، حالَما مَسَّ ٱبنتَها الْمَغبوطَةَ، ماتَ بِمَوْتِها؛ لأنَّهُ غُلِبَ منْ ذاكَ الَّذي ٱستَمَدَّتْ منهُ والدَةُ الإلٰهِ قُوَّتَها. والدةُ الإِلٰهِ رَقَدَتْ- وأقولُ رَقَدَتْ لا ٱنطَفَأَتْ- لأنَّها، منذُ أن عَبَرَتْ إلى السَّماءِ، لم تَكُفَّ، هُناكَ، عَنِ الذَّوْدِ عَنِ الجنسِ البشرِيِّ. بأيِّ كَلماتٍ نَصِفُ سِرَّكِ؟ فإنَّ الذِّهْنَ يَنْحَني، واللِّسانَ يَسْتَبِينُ عاجزًا؛ لأنَّ مجدَ هٰذا السِّرِّ يَفوقُ كُلَّ ذِهْنٍ. لا شَيْءَ يُضاهِيهِ ويُتيحُ لنا أنْ نُفَسِّرَهُ على نَحْوٍ أو على آخَرَ: كُلُّ ما هُوَ منكِ يَتَخَطَّانا. فقد عَدَّلْتِ ما لِلطَّبيعَةِ بميلادِكِ الَّذي لا يُوصَفُ. مَنْ سَبَقَ أنْ سَمِعَ بِعَذْراءَ تَحْبَلُ بغيرِ زَرْعٍ؟ يا لَلْعَجَبِ! هٰذِهِ الأُمُّ الَّتي تَلِدُ، هِيَ، أَيْضًا، عَذْراءُ عَفيفَةٌ، فإنَّ مَنْ يُولَدُ منها هُوَ اللهُ. هٰذا الأمرُ وَحْدَهُ يجعلُها مختلفَةً عَنِ الجميعِ. لذا تَقْتَبِلينَ، عنْ حقٍّ، في رقادِكِ الْمُحْيِي، خُلودَ النَّفْسِ والجَسَدِ (...) هَلْ سَبَقَ لنا أنْ سَمِعْنا عنْ وَفاةٍ كالوفاةِ الَّتي أُهِّلَتْ لها والدَةُ الإِلٰهِ؟ كَمْ ذٰلكَ عادلٌ! لِأَنَّهُ لا أَعْلى منَ الَّتي هيَ أَعْلى منَ الكُلِّ. إنَّ نفسي تَدْهَشُ متى ٱرتَحَلَ عَقلي إلى رحيلِكِ الفاخرِ، أيَّتُها العذراءُ! نفسي تَعْجَبُ إذ تَهُذُّ في رُقادِكِ العجيبِ! لساني يُعْتَقَلُ متى تَكَلَّمْتُ على قيامَتِكِ السِّرِّيَّةِ؟ مَنْ تُراهُ، في الحقيقةِ، أَهْلًا لِسَرْدِ كُلِّ عَجائِبِكِ؟ أَيُّ ذِهْنٍ، مَهْما سَما، يَقْدِرُ، وأيُّ لسانٍ، مهما كانَ فَصيحًا، يُحيطُ بقيمَةِ أفعالِكِ، ويَعْرِضُ ويُقيمُ أسرارَ مجدِكِ وعيدِكِ ومديحِكِ؟ كُلُّ لسانٍ يَنْضَبُ وَيَهِنُ إِنْ حاولَ؛ لأنَّكِ تَفُوقينَ وتَسْمِينَ بغيرِ قياسٍ، على القِمَمِ السَّماوِيَّةِ الشَّاهِقَةِ، وبهاءُ نُورِكِ يَفُوقُ بهاءَ الشَّمْسِ أَلْفَ مَرَّةٍ، وقد حُزْتِ على ما يَزيدُ عَظَمَةً عَنِ الْمَلائكةِ وكلِّ القُوَّاتِ الرُّوحيَّةِ غَيرِ الْمُتَجَسِّمَةِ".
هٰذِهِ المعانِي الفائِقَةُ لوالدَةِ الإلٰهِ، وخصوصًا لِرُقادِها، وردَتْ في التُّراثِ على نحوٍ قَصَصِيٍّ. فَقَدْ قِيلَ إنَّ الرَّبَّ يسوعَ أَعْلَمَ والدَةَ الإلٰهِ برقادِها، بِمَلاكٍ، قبلَ حُدوثِهِ بثلاثَةِ أيَّامٍ. هٰذا مَلَأَها فرحًا؛ لأنَّها ٱشْتَهَتْ أن تَصْعَدَ إلى ٱبنِها وإلٰهِها. لذٰلِكَ تَوَجَّهَتْ إلى جبلِ الزَّيتونِ لِتُصَلِّيَ في سُكونٍ، كما كانَتْ عادَتُها. وقد ورَدَ أنَّها، لَمَّا بَلَغَتِ القِمَّةَ، خَضَعَتْ لها الأَشْجارُ. بعدَ ذٰلكَ عادَتْ لِتُرَتِّبَ أمرَها، وأذاعَتْ على النِّسْوَةِ اللَّواتي أَتَيْنَ إليها خَبَرَ ٱرتِحالِها إلى السَّماءِ. وإِثباتًا لذٰلِكَ ٱسْتَوْدَعَتْهُنَّ غُصْنَ النَّخيلِ، رَمْزَ الغَلَبَةِ وعَدَمِ الفَسادِ، الَّذي زَوَّدَها بهِ الْمَلاكُ. وإذْ حَزِنَّ لِخَبَرِ فِراقِها، أَكَّدَتْ لَهُنَّ أنَّها، وَلَوْ رَحَلَتْ إلى السَّماءِ، فإنَّها لن تَكُفَّ عَنِ الذَّوْدِ عَنْهُنَّ وعنْ كُلِّ العالمِ، بِصَلاتِها.
هٰذا وقَدْ ذُكِرَ أنَّ البيتَ ٱمتَلَأَ غَيْمًا سماويًّا أَحْضَرَ الرُّسُلَ منْ أطرافِ الأرضِ. الكنيسةُ كلُّها، بأشخاصِ الرُّسُلِ، حَضَرَتْ سِرِّيًّا ٱحْتِفاءً بِجَنازَةِ والِدَةِ الإِلٰهِ. وإلى جَوْقِ الرُّسُلِ ٱنضمَّ الأساقفةُ القدِّيسونَ، نَظيرَ القدِّيسِ إيروثاوُسَ الأَثِنائِيِّ، الْمُعَيَّدِ لهُ في 4 تشرينَ الأوَّلِ، وديونيسيُوسَ الأَرْيُوباغِيِّ، الْمُعَيَّدِ لهُ في 3 تشرينَ الأوَّلِ، وتيموثاوُسَ الأَفَسُسِيِّ، الْمُعَيَّدِ لهُ في 22 كانونَ الثَّاني. الرَّسولُ بولُسُ كانَ أيضًا حاضرًا. وبحسَبِ القدِّيسِ يوحنَّا الدِّمَشْقِيِّ، حضَرَ عددٌ من أَنبياءِ العهدِ القديمِ. وقيلَ إنَّ حَنَّةَ، أُمَّ والدةِ الإلٰهِ، معَ أَليصاباتَ وإبراهيمَ وإسحٰقَ ويعقوبَ وداودَ كانوا حاضِرينَ. رَقَدَتْ والدَةُ الإلٰهِ بسلامٍ، وَٱستقَرَّتْ، أَبْهى مِنْ كُلِّ نورٍ، بَيْنَ يَدَيِ ٱبنِها وإلٰهِها الَّذي ظَهَرَ بِمَعِيَّةِ رئيسِ الملائكَةِ ميخائيلَ وجَوْقٍ مِنَ الملائكَةِ. تَمَّ رُقادُها بِلا أَلَمٍ، وبِلا قَلَقٍ، كما كانَ وَضْعُها لِابْنِها من دونِ أَوجاعٍ. تَداخَلَتْ أصواتُ الملائكَةِ بأصواتِ البَشَرِ إكرامًا لرُقادِها. تَنَقَّى الهواءُ بِصُعودِ نَفْسِها، وتَقَدَّسَتِ الأرضُ بِٱقتِبال جَسَدِها. وقَدِ ٱستَعادَ العديدُ منَ الْمَرْضى عافِيَتَهُم.
حَسَدُ اليَهودِ وحِقْدُهم جَرى التَّعبيرُ عنهُما بإثارَةِ زُعَمائِهم قَوْمًا للتَّعَرُّضِ لِلْمَحْمَلِ الَّذي سُجِّيَتْ عليهِ والدَةُ الإلٰهِ. وإِذْ تَجاسَرَ كاهِنٌ ٱسمُهُ، في التُّراثِ، يلفونياس، على الدُّنُوِّ منها، ٱنْقَطَعَتْ يَداهُ، لٰكنَّهُ تابَ وآمَنَ وٱستعادَ اليَدَيْنِ بنعمةِ اللهِ. وآخَرونَ ضُرِبُوا بِالعَمَى، لٰكنَّهم آمَنوا بالرَّبِّ يَسوعَ وَجرى شِفاؤُهُم.
جَرى دفنُ والدَةِ الإلٰهِ في بُستانِ الْجَثْسِيمانِيَّةِ. هُناكَ أَقامَ الرُّسُلُ معَ الملائكةِ في الصَّلاةِ ثلاثةَ أيَّامٍ. تُوما الرَّسولُ، بِتَدْبيرٍ، لَمْ يحضُرِ الجَنازَةَ. وَصَلَ إلى جَثْسِيمانِي في اليومِ الثَّالثِ، وقدِ ٱستبدَّ بهِ حُزنٌ عميقٌ. كانَ يرغَبُ في أنْ يُلْقِيَ نَظرةً أَخيرةً على والدَةِ الإلٰهِ راقدةً لِيَتَبَرَّكَ مِنها. ولأجلِ إِصرارِهِ، قَرَّرَ الرُّسُلُ فَتْحَ الضَّريحِ، لِيَتَسَنَّى لِتُوما أَنْ يُكَرِّمَ الجسَدَ المقدَّسَ. فلَمَّا رفعوا الحجَرَ الَّذي يَسُدُّ المدخلَ، ٱستَبَدَّ بِهِمِ الدَّهَشُ؛ لأنَّ الجسدَ كانَ قَدِ ٱختَفى. وَحْدَهُ الكَفَنُ الَّذي ٱشتَمَلَ والدَةَ الإلٰهِ كانَ هناكَ، وقَدِ ٱتَّخَذَ شَكْلَ الجَسَدِ. كانَ هٰذا دليلًا على ٱنتقالِ والدَةِ الإلٰهِ إلى السَّماءِ، أيْ على قِيامَتِها وصُعودِ جَسَدِها الَّذي ٱنضَمَّ، من جديدٍ، إلى نَفْسِها، صُعودِها إلى ما هُوَ أَرْفَعُ منَ السَّمٰواتِ، إلى حَميمِيَّةِ ٱبنِها لتكونَ مُمَثِّلَةً لنا ومُحامِيَتَنا لدى اللهِ.
مَرْيَمُ "ٱبنةُ آدَمَ"، الَّتي صارَتْ أُمًّا للإلٰهِ وأُمًّا للحياةِ، ذاقَت، إذًا الْمَوتَ. لٰكنَّ موتَها لم يَكُنْ مُذِلًّا بحالٍ، فإنَّهُ بالموتِ، إذِ غُلِبَ لِلمسيحِ الَّذي ٱقْتَبَلَهُ طَوْعًا لِخلاصِنا، ٱسْتَحالَتْ دَينُونَةُ آدَمَ "مَوْتًا مُحْيِيًا"، وَمَبْدَأَ وُجودٍ جَديدٍ. ولَحْدُ جَثْسِيمانِي، كالقَبْرِ المقدَّسِ، ظَهَرَ خِدْرًا جرى في كِلَيْهِما عُرْسُ عَدَمِ الفَسادِ. لقد كانَ لائقًا، ٱنْسجامًا معَ ما جرى للمسيحِ الْمُخَلِّصِ، أَنْ تَعْبُرَ والدَةُ الإِلٰهِ بِكُلِّ السُّبُلِ الَّتي سَلَكَها الْمَسيحُ لِيَمُدَّ القداسَةَ في طَبيعَتِنا. فَبَعْدَما تَبِعَتْهُ في آلامِهِ، وعايَنَتْ قِيامَتَهُ، خَبَرَتِ الْمَوْتَ. ولَمَّا ٱنفَصَلَتْ عنْ جَسَدِها، وَجَدَت نَفْسَها الكُلِّيَّةَ النَّقاوَةِ مُتَّحِدَةً بالنُّورِ الإِلٰهِيِّ. أمَّا جسدُها، فقد بَقِيَ قليلًا في الأرضِ، ثُمَّ قامَ بنعمةِ المسيحِ النَّاهِضِ مِنْ بَيْنِ الأَمواتِ. هٰذا الجسَدُ الرُّوحانِيُّ ٱقتُبِلَ في السَّماءِ كَهَيْكَلٍ للإلٰهِ الْمُتَجَسِّدِ، كَعَرْشِ اللهِ. إنَّهُ الجُزْءُ الأَبْرَزُ منْ جَسَدِ المسيحِ، وكَثيرًا ما شَبَّهَهُ آباءُ الكنيسةِ بالكنيسَةِ الْمُقَدَّسَةِ عَيْنِها، مَسْكَنِ اللهِ بَيْنَ النَّاسِ، ومَوْضِعِ حالِنا الآتِيَةِ، ومَصْدَرِ تَأْلِيهِنا. مِنَ الحَشا العفيفِ لِمَرْيَمَ، والدةِ الإِلٰهِ، ٱنْفَتَحَ لنا ملَكُوتُ السَّمٰواتِ. لذٰلِكَ صارَ ٱنْتِقالُها إلى السَّماءِ سَبَبَ فَرَحٍ لِكُلِّ المؤمنينَ الَّذينَ تَلَقَّوْا بِذٰلِكَ الضَّمانَةَ، أَنَّ كُلَّ الطَّبيعَةِ البَشَرِيَّةِ، في شَخْصِ مَرْيَمَ، أَضْحَتْ حامِلَةً لِلمسيحِ، ومَدْعُوَّةً لِأَنْ تَسْكُنَ في اللهِ.

✥ عظة في رقاد والدة الإله للقدّيس يوحنّا الدّمشقيّ: اليوم، يرتاح تابوت عهد الله الحي، تلك التي حملت خالقها في حشاها، فيستقر في هيكل الرب غير المصنوع بالايدي. اليوم، تلك الحمامة المقدسة - النّفس الطّاهرة النّقيّة الّتي كرّسها الروح الإلهيّ - بعد أن طارت من الفُلك، أي جسدها، الذي استقبل الله ينبوع الحياة، وجدت "مكانًا تضع عليه رجلها" (تكوين 8: 9). لقد ذهبت إلى العالم المعقول واستقرت على الارض الطاهرة في الملكوت السماوي.
اليوم، العذراء البريئة من الدنس، التي لم تخامرها عاطفة ارضية، بل تغذت بالافكار السماوية، لم تعد الى التراب، بما انها بالحقيقة سماءٌ حية، لان الذي لا مقر له، قد جعل نفسه فيها طفلا صغيرًا، وجعل منها مقر أُلوهيته.
اليوم كنز الحياة، لجة النعمة، تدخل في ظلال موت يحمل الحياة. تتقدم منه بدون خوف، تلك التي ولدت مُبيده، هذا، اذا جاز أن نسمي موتًا رحيلها المفعم قداسة وحياة.
كيف تقع في سلطان الموت، من كانت للجميع ينبوعًا للحياة الحقيقية؟ غير انها تخضع للشريعة التي وضعها ابنها. وكابنة لآدم القديم، تفي الدين الوالدي، لان ولدها عينه، الذي هو الحياة في ذاته، لم يرفض ذلك. ولكن بصفتها والدة الله الحي، فمن العدل أن تُنقل اليه. فكيف لا تعيش مدى الدهر تلك التي قبلَتِ الحياة عينها بدون بداية ولا نهاية؟


 

✥ السِّنْكسَار ✥
✥ معجزة إشباع الخمسة آلاف هي المعجزة الوحيدة المذكورة في الأناجيل الأربعة لأهميتها.
معجزة إشباع الجموع إشارة إلى الخبز السماوي النازل من فوق لنا، أي الرّبّ يسوع المسيح الذي “يُجزّأ ويُقسّم حمل الله، الذي يُجزّأ ولا يَنقسم، وُيؤكل منه دائماً ولا ينفد، بل يُقدّس المشتركين به”، كما نقول في القدّاس الإلهي.
تكشف هذه المعجزة أن الرّبّ هو مُشبع نفوسنا وأجسادنا وباريهما، لذا يبدأ النص الإنجيلي بأن يسوع أبصر جمعًا كثيرًا فتحنّن عليهم وشفى مرضاهم، وهذا الأمر مستمر إلى الأبد.
-ولما صار المساء أي عندما ستغيب الشمس، ويختفي النور، يُصبح الإنسان بحاجة لمأوى وقوت ودفء وأمان وراحة وطمأنينة، وهذا كلّه لا يمكن أن يحصل خارج الربّ يسوع المسيح ونعمه وعطاياه لنا. “تَعَالَوْا إِلَيَّ يَا جَمِيعَ الْمُتْعَبِينَ وَالثَّقِيلِي الأَحْمَالِ، وَأَنَا أُرِيحُكُمْ” (مت ٢٨:١١)
حادثة الشفاء هذه تكشف عجز المنطق البشريّ المحدود أمام عظمة الله المتجسّد، وهذا ما طلبه التلامذة من الرّب “ أصرف الجموع “ لعجزهم من إطعامهم. جواب يسوع لهم هو جواب لنا أيضًا ليمتحن إيماننا ومدى اتّكالنا عليه.
لنلاحظ هذه الكلمات: أخذ الأرغفة الخمسة والسمكتين ورفع (يسوع) نظره نحو السماء وبارك وكسر وأعطى الأرغفة للتلاميذ والتلاميذ للجموع. إنّه قدّاس إلهيّ بامتياز. إنّها الكلمات نفسها التي حدثت في العشاء الأخير مع التلاميذ عندما قدّم الرّبّ دمه وجسده ذبيحة (لوقا ٢٢: ١٩).
وكلمة بارك باللغة العبرية تشير إلى الشكر أيضًا. ففعل ευλόγησεν باليونانية “بارك” مركّب من ευ أي شيء سار وصالح، وفعل Λογώ أي يقول، ليصبح المعنى الكامل في هذه الآية "ورفع نظره نحو السماء وبارك ευλόγησεν وكسر" أي نطق بكلمات سارّة وصالحة و وقام بعمل إلهيّ سار وصالح، وطبعًا كلّ هذا بسماح منه لخلاصنا.
-أكل الجميع وشبعوا ثم رفعوا ما فضل من الكسر اثنتي عشرة قفّة مملوءة أي ما تكفي المسكونة جمعاء وكلّ الشعوب قاطبةً. ونلاحظ أن المسيح يعطى للتلاميذ (الكنيسة بكهنوتها وخدّامها) والتلاميذ يعطون الناس.
-الأرغفة الخمسة والسمكتان كانت مع غلام صغير، مع أصغر القوم. (يوحنا ٩:٦). ألا يذكّرنا هذا ببيت لحم أصغر مدن إسرائيل التي وُلد فيها المخلّص.
-من القليل القليل أشبع الجميع، ومن الأجران الستّة في عرس قانا الجليل (يوحنا٢) حوّل الماء إلى أجود خمر وملأ الأجران.
- طلب منهم الرّبّ بأن يجلسوا خمسين خمسين (لوقا ١٤:٩). إلهنا إله نظام وليس إله تشويش (١كو٣٣:١٤). وهذا النظام حتى لا ينسوا أحدًا في التوزيع.
نهاية لَمَّا شَبِعُوا، قَالَ يَسوع لِتَلاَمِيذِهِ: «اجْمَعُوا الْكِسَرَ الْفَاضِلَةَ لِكَيْ لاَ يَضِيعَ شَيْءٌ». (يو ١٢:٦). نعم لا يجب أن يضيع شيء من نعم والله وعطاياه. فالكسر مع الأرغفة خبز واحد. وكأنّنا نقرأ ما قاله بولس الرسول:” كأس البركة التي نباركها أليست هي شركة دم المسيح. الخبز الذي نكسره أليس هو شركة جسد المسيح. فإنّنا نحن الكثيرين خبز واحد جسد واحد لإنّنا جميعنا نشترك في الخبز الواحد. (١ كو ١٠: ١٦ - ١٧). وإذا كانت القفّة التي كان اليهودي يحملها معه وتحوي طعامه حتى لا يضطر لشراء طعام من الأمم أو السامريين، فالقفّة أصبحت مملؤة بالعطيّة السماويّة لأنّ يسوع قال «أنا هو الخبز الذي نزل من السماء» وبه نحيا ونتحرّك ونوجد.
صلاة الخبزات الخمس: نجد هذه الصلاة في صلاة الغروب في الأعياد السيّدية وبعض أعياد القدّيسين، ويُدعى غروب ممتاز. تُبارك الخبزات الخمس في الليتين، وهي خمسة تيمّنًا بعجيبة الخبزات الخمس التي اجترحها الرّب يسوع لإشباع الجموع في القفر.
✥ القديس سوذن النيقوميذي: ألقي في النار لأجل المسيح. لم يتأذ. رقد، بعد ذلك، بسلام.
✥ القديس الشهيد الروسي الجديد باسيل ‏Armenits‏ (+1938م)‏: قضى في الحقبة الشيوعية وهو متقدم في الكهنة.
✥ القديس البار أيوب أوشلسك الروسي (+1628م)‏: ترهب في دير سولوفكي. أسس ديراً في ناحية Arkhangelsk. قضى بيد لصوص.
✥ ذكرى النساك المصريين العشرة الآلاف: رقدوا بسلام في الرب.
✥ القديسة الشهيدة البارة بوتاميا الصانعة العجائب: قضت بحد السيف.
✥ القديسون الشهداء الروس الجدد أثناسيوس ‏Egorov‏ ومن معه (+1937)‏:
قضى هؤلاء في الحقبة الشيوعية وهم: أثناسيوس Egorov: رئيس دير، الكسندر Khotovitski: متقدم في الكهنة، ميخائيل Plyshevski: متقدم في الكهنة، ألكسي Voronets: متقدم في الكهنة، يوحنا Voronets: متقدم في الكهنة، ديمتري Milovidor: كاهن، بطرس Tokarev كاهن، أليشع Shtolder: شماس
✥ القدّيستان الملكتان إيريني وبوليخاريّا: في زمن إيريني عُقد المجمع المسكوني السابع الذي أعاد إكرام الإيقونات إلى الكنيسة بعد الإتلاف الذي تعرضت له والاضطهاد الذي طال مكرّميها (787م). وفي زمن بلخاريا صار عقد مجمع خلقيدونيا (451م).
✥ القدّيس دوناتوس أسقف أريزو في توسكانا (+361م)‏: يذكره القديس غريغوريوس الكبير لقداسته وعجائبه. قبض عليه كودراتيانوس، حاكم توسكانا، زمن الإمبراطور يوليانوس الجاحد. أبى أن يؤدّي فرض العبادة للأوثان. عُذب. أبدى جلادة لا تُخترق. أنهى جهاد بقطع الهامة سنة 361م. رفاته في كاتدرائية أريزّو. في الوقت عينه قضى راهب اسمه هيلارينوس ضُرب للمسيح حتى الموت ونُقلت رفاته إلى أوسيتا.
✥ القدّيس البارّ بيمين الكييفيّ الصّوّام (القرن 12م)‏: حظي بنعمة من الله ألا يتناول طعاماً إلا مرة واحدة في الأسبوع وبكمية قليلة. رغم ذلك كان يحفظ كل واجبات حياة الشركة: يعمل، نهاراً، في المطحنة وينقل الحطب ويقضي لياليه، وحده أمام الله، في السهر والصلاة. رأس لافرا مغاور كييف بين العامين 1132م و1141م.
✥ القدّيس البارّ ضومط النّاسك (القرن 16م)‏: نسك في ضواحي دير فيلوثيو في الجبل المقدس خلال القرن 16 م. نال حظوة عند الله و جرت به عجائب جمة. رقد بسلام في الرب بحضور الملائكة والقديسين.
✥ أبونا الجليل في القدّيسين فيكتوريوس أسقف رُوان الفرنسيّة (القرن 5م)‏: ولد حوالي العام 330م. خدم في الجيش الروماني. بشر في بلاد الموران والنرفيان. تسقف على روان. رقد بين العامين 407 و410م.
✥ القدّيسان الشّهيدان مارينوس وأستاريوس‎ ‎‏(+560م)‏: كان مارينوس عسكرياً وأستاريوس عضواً في المشيخة. في زمن الإمبراطور غاليانوس خدم مارينوس في قيصرية فلسطين. جرى قطع رأسه لايمانه بالمسيح. لاحظه أستاريوس و كان هو نفسه مسيحيا. افه في ردائه و حمله على كتفيه ليواريه الثرى بإكرام. ألقى عليه الوثنيون الأيدي و قطعوا رأسه.
✥ القدّيس نركيسوس الأورشليميّ ‏‎ ‎‏(القرن ‏‎3‎‏ م)‏: اختير أسقفاً لأورشليم حوالي العام 195م. كتب عنه أفسافيوس القيصري في تاريخه. قال عنه هو الخامس عشر منذ حصار اليهود في عهد أدريانوس، والثلاثون بعد الرسل. رأس مجمعاً مع ثيوفيلوس القيصري وآخرين وضبطوا مسألة تعييد الفصح التي كانت موضع جدل يومذاك. حدّدوا أن يكون الفصح الأحد بعد الفصح اليهودي، وحتى ذلك الحين لا يُختم الصوم. قيل إن عفّة نركسيوس وتقواه وحياته الفاضلة كانت معروفة للجميع. من العجائب التي يوردها أفسافيوس عنه أنه في ليلة عيد الفصح نفذ الزيت في القناديل فصلى نركسيوس على الماء وبنعمة الله فَعل فِعل الزيت. عاش إلى سن متقدمة. اعتزل في البرية سنين في آخر أيامه. عاد واستلم الأسقفية من جديد وكأنه، بتعبير أفسافيوس القيصري، "قد قام من بين الأموات". بلغ المائة والست عشرة سناً.
✥ القدّيس البارّ أيبريخيوس المصريّ: جاءت عنه أقوال بينها هذه:
- كما يخيف الأسد الحمير الوحشية، هكذا يسود الراهب الممتحن أفكار الشهوة.
- من لا يضبط لسانه وهو غضوب، لا يستطيع أن يضبط شهواته أيضاً.
- خير لك أن تأكل لحماً وتشرب خمراً من أن لا تأكل بالوقيعة لحم الإخوة.
- كنز الراهب فقره الاختياري.
- فليكن فكرك في ملكوت السموات، ترثه سريعاً.
- الطاعة هي جوهرة الراهب الموروثة. من يمتلكها يحفظه المصلوب بدالة ويسمع له الله،لأن الرب الذي صُلب من أجلنا أطاع حتى الموت.
✥ القدّيس البار ثيودوسيوس العجائبي الصغير (القرن 10م)‏: أثينا من أبوين تقيّين. وزّع ثروته بعد موت والديه وانضمّ إلى شيخ قدّيس. اعتزل، بعد ذلك، في ناحية أرغوس في البليوبونيز. انصرف إلى السكون والصلاة. صار كرجل سماوي وملاك أرضي. ظهر له المعمدان وأوصاه ببناء كنيسة على اسمه بقرب منسكه. مَنْ عليه الله بنعمة صنع العجائب. تدفق عليه المرضى وكُثر نالوا، بصلاته، شفاء النفس والجسد. حاول حسّاده النيل منه لدى أسقف أرغوس، وهو القدّيس بطرس المعيّد له في 3 ‏أيار. ولكن استبان الحقّ بنعمة الله. قيل جاء القدّيس بطرس أرغوس إليه فاستقبله وفي يده فحم وبخور ولمّا تحترق. جرت به الأشفية بعد وفاته أيضاً.
✥ القدّيسة البارّة ثيودورة سيهلا الرّومانيّة (القرن 18)‏: أعلنت الكنيسة الرومانية قداستها في العام 1992م. من قرية فيناتوري، في ناحية نيامتز في مولدافيا. تزوجت ولم يُرزق الزوجان ولداً فترهبا. لبست الثوب الرهباني في إسقيط فارسارست في ناحية بوزو. غزا الأتراك المنطقة وخربوا الدير. هربت وأمها الروحية باييسيا إلى الجبل حيث جاهدت جهاداً بطولياً في شروط مناخية قاسية وقاومت، بالصلاة، هجمات الأبالسة. إثر وفاة باييسيا تلقت ثيودورة من الله أمراً بالاستقرار في جبل سيهلا، غير بعيد عن دير نيامتز الشهير. على مدى ثلاثين سنة سلكت في سيرة شبيهة بسيرة القديسة مريم المصرية، في قلاية غادرها أحد النساك. منذ مطلع حياتها الرهبانية مَنّ عليها الله بموهبة صلاة القلب. كانت تقضي لياليها في الصلاة ويداها إلى السماء إلى أن تضيء الشمس وجهها. لم تعط لجسدها راحة إلا ساعتين في اليوم ثم تعود إلى جهاداتها. لا تأكل سوى مرة كل يومين، فقط قليلاً من الخبز اليابس مع نباتات برية وقليلاً من الماء يتجمع من المطر في حفرة في الصخر عُرفت، فيما بعد، بـ "نبع القديسة ثيودورة". كانت منقطعة عن كل تعزية بشرية، بمؤازرة النعمة الإلهية. وحده الأب بولس، معرف إسقيط سيخاستريا، كان يأتي إليها، من وقت لآخر، بالقدسات والنصح. فلما رقد بالرب أقامت وحيدة مُسلمة نفسها لعناية الله. بلغ موضعها، يوماً، عدد من الراهبات لذن بالجبل هرباً من مذابح الأتراك. تركت لهن ثيودورة قلايتها، للحال، وأقامت في إحدى المغاور مواصلة نسكها لا يدري بأمرها أحد ولا تبالي بحاجات الجسد وهجمات الأبالسة العاجزة. مرة أخرى انقض عليها أتراك بعدما تاهوا في الجبل وكانت على ركبتيها في الصلاة. للحال انفتح حائط المغارة عجائبياً وأمكن ثيودورة أن تتوارى في الغابة. هناك عاشت كملاك وصلت بصورة متواصلة وروحها إلى الله. استحالت ثيابها أسمالاً بمرور الزمن وتقلب الأحوال الجوية. ولكي يسد الرب الإله حاجتها إلى الطعام أرسل إليها عصافير تحمل الفتات من سخاستريا. ذات يوم لاحظ رئيس الدير هذه العصافير فأرسل، في إثرها، راهبين. وإذ أرشدهما ليلاً عموداً من نور بلغا معتزل قديسة الله التي كانت في الصلاة، جسدها مرتفع عن الأرض ووجهها متوهج كالشمس. طمأنتهما أنها امرأة لا شبح. وبعد أن دعتهما إلى إلقاء رداء لها تستر به عورتها، جعلتهما يدنوان منها. أطلعتهما على نمط حياتها وطلبت أن يُرسل لها كاهن يحمل إليها القدسات. في اليوم التالي، حضر الكاهن مع الأخوين. وما إن ساهمت القدسات حتى أسلمت الروح بسلام فيما فاح من جسدها عطر سماوي. انتشر خبرها بسرعة. دفق المؤمنون على مغارتها. حوالي العام 1830م جرى نقل ما تبقى من رفاتها إلى لافرا الكهوف في كييف. غير أن المواضع التي شهدت جهاداتها الطيبة بقيت مقدسة بالنعمة. ولا يزال العديد من المرضى، إلى اليوم، يُشفون إذ يشربون ماء من "نبع القديسة ثيودورة" في إسقيط سيهلا.
✥ القدّيس الشّهيد البارّ ضومط الفارسيّ و تلميذاه (القرن 4م)‏: كان ضومط الفارسي، بدءاً، من عبدة النار. بحث، كحدث، عن الحقيقة الإلهية بصدق كبير. وبتدبير الله التقاه مسيحي يكرز بالبشارة في بلاد ما بين النهرين، اسمه Abbaros. اهتدى وحاول هداية والديه فلم يفلح. فلما بلغ الرشد غادر موطنه إلى نصيبين، على الحدود، بين الإمبراطورية الرومانية والإمبراطورية الفارسية، وهناك اقتبل المعمودية. انضم، لتوه، إلى أحد ديورة المدينة وانكب، بشغف، على دراسة الكتاب المقدس. صارت له كلمة الله طعاماً وشراباً حتى استهان بتناول الطعام مع بقية الرهبان. حسده بعضهم واحتقروه. فلئلا يكون سبب عثرة وانقسام غادر الدير ليلاً. هاجمته كوكبة من الذئاب لم ينقذه منها غير الله الذي أخرجه من هناك إلى الطريق الرومانية عبر الصحراء السورية. انضم إلى مجموعة من المسيحيين كانت متجهة إلى مدينة ثيودوسيوس لإيداع تقدمات في دير القديس سرجيوس. نذر أن يُمسك عن الطعام إلى أن ينضم إلى شركة رهبانية. لذا حرص على ألا يختلط بالآخرين كلما جلسوا للطعام. ظنوه هرطوقياً أو سامرياًَ، فلما أباح لهم بسبب تصرفه عرضوا أن يأخذوه إلى دير القديس سرجيوس. في الطريق طرد، بصلاته، خادماً لإبليس رام أذيتهم. بلغوا الدير. استقبلهم نوربل، رئيسه، وكان رجلاً فاضلاً بصيراً بما لله. ارتضى، للحال، أن يضم ضومط إلى أخويته. اقتدى ضومط بمعلمه، صلاة متواترة وسيرة ملائكية، فخطا خطوات يُعتد بها في مدارج الفضيلة. في السنة الثامنة عشرة من نزوله الدير تشمس. وعلى مدى ثلاثة آحاد، خلال خدمته في الهيكل، كان يعاين حمامة بيضاء ترفرف فوق الكأس المقدسة. تيقن رئيسه أنه مختار من الله فرغب في تصييره كاهناً ففر من الدير، من جديد، وانضم إلى قافلة متجهة نحو قورش. نزل، أياماً، للصلاة ديراً على اسم القديسين قوزما ودميانوس. شفى الله مريضاً، بصلاته، هناك. فلما شرع هذا الأخير في إشاعة ما حدث له فر ضومط، مرة أخرى، إلى موقع يبعد ثمانية أميال عن الدير حيث استقر على هضبة قاحلة محجرة. بقي سنتين في عزلة كاملة يقتات من الأعشاب البرية. اكتشف الآخرون موقعه. تكبد حر الصيف وقر الشتاء في العراء. أخيراً نجح المؤمنون في الجوار، وقد تدنت قواه، فأقنعوه بالانتقال إلى مغارة حفروها له في الصخر. لازم المكان سنين في الصلاة. كان يستقبل القادمين إليه ويشفي أدواءهم النفسية والجسدية ويهدي العديد من الوثنين بتعليمه النير. مرّ الإمبراطور يوليانوس الجاحد من هناك خلال حملته على الفرس التي قضى فيها سنة 363م. فكان أن وشى إليه بضومط عدد من الحساد المنحلين. قالوا عن قديس الله إنه دجال يدعي التكلم باسم الله. لم يرق ليوليانوس أن يرى الناس يتدفقون على رجل الله ويتأثرون به. فبعث يقول له أن يكف عن استقبال الناس، فلم يشأ أن يحرم العباد البركة والعزاء. إذ ذاك أمر الإمبراطور ببناء حائط سد به المغارة فقضى ضومط واثنان من تلاميذه. وقيل، في رواية أخرى، إن الجند رموا المكان بالحجارة حتى سدّوا المغارة. هذا ويشار إلى ضومط آخر من كردستان له سيرة شبيهة بسيرة قديسنا. هذا ترهب أيضاً وقيل كان طبيباً أو كانت له مواهب شفاء لكنه قضى بسلام. وهو معروف، بخاصة، في البلاد السورية، كشفيع للمصابين بداء عِرق النسا. وكذا انتقل صيته إلى بلاد الغال، كما أفاد القديس غريغوريوس التوري. للقديس ضومط، على اسمه، كنائس قديمة عديدة أرثوذكسية وغير أرثوذكسية في لبنان. من ذلك في جدّايل وأميون. وثمة كنيسة صغيرة له في دوما البترون. هذه سبق أن كانت هيكلاً لإله الطب أسكلابيوس. ولعل المسيحشيين الأوائل، هنا، أرادوا الاستعاضة عن الإله الوثني بآخر فاختاروا ضومط الطبيب خلفاً له، ليحولوا اهتمام المهتدين الجدد من إله الطب القديم إلى قديس مسيحي له الاختصاص عينه.
✥ القدّيس البارّ يوسف الكريتيّ (+1874م)‏: ولد سنة 1799م في خرائب دير كابسا، عند الطرف الجنوبي الشرقي من جزيرة كريت. إلى هناك لجأ ذووه هرباً من العثمانيين. لم تسنح له الفرصة أن يقتبل تعليماً منظماً لكنه حفظ العديد من الخدم الكنسية. استبان حاد المزاج في شبابه ومال عن التقوى. أرسله ذووه إلى أمكنة منعزلة اجتناب المشاجرة مع الأتراك. تزوج. لما تنجح زوجته في إصلاحه. في يوم من أيام الآحاد ذهب ليبيع حطباً في القرية هو وامرأته، فلما عاد إلى بيته اكتشف أن ابنته الوسطى احترقت حيّة أمام المنزل. هز الحدث نفسه من الأعماق. بنعمة الله أخذ يتغير. أضحى نموذجاً في الوداعة والمحبة والتقوى. بكى كثيراً وسلك في الفضيلة. شفى امرأة مخلعة. شاهد في الحلم، بملاك، مواقع المختارين وعاين عذابات المدانين. فاض لسانه بالتعاليم الروحية وجرت به أشفية عدة. أخذ الناس يتدفقون عليه. هذا أقلق السلطة المحلية. استدعي ثلاث مرات إلى هيراكليون. هدّده الحاكم التركي بالسجن أو النفي إن استمر يجمع الناس إليه. صار يُعرف باسم "يوحنا الشيخ". شفى ابنة الباشا فتركوه بسلام على أن يجتنب التجمعات. أسقف المحلة، أيضاً، حاول التصدي له لكنه، بنعمة الله، عاد فعفا عنه بعدما استبانت، في عينيه، نعمة الله لديه. ترهب في دير صغير باسم السابق في كابسا. ترك عائلته لعناية الله. لم يأخذ سوى عصا وأقام في خرائب الدير. لم يبق بهاء فضائله مخفياً ولا تُركت له فرصة حياة السكون. أخذ الحجّاج يتدفقون عليه سؤلاً لبركة صلواته ونصائحه. بنى عدداً من القلالي لاستقبال الناس. أنجز ديراً وكنيسة جديدة. سنة 1836م اقتبل النذور الرهباينة. عاش السنوات الخمس الأخيرة من حياته في نسك شديد استعدادً للرحيل. رغم ذلك كان ينقطع عن استقبال الزوار. تنبأ بالأسواء التي كانت على وشك أن تصيب كريت إثر الثورة والصراعات الداخلية. زار الأماكن المقدسة في رؤيا ورقد في الرب في 6 آب سنة 1874. استمرت رفاته تفعل العجائب والأشفية.
✥ القدّيس البارّ نيكانور العجائبيّ (+ 1549م)‏: أبصر النور في تسالونيكي، سنة 1491م، لأبوين تقيّين غنيّين. وُلد، عجائبياً، بعد عقم. نشأ في الفضيلة محباً للكتب المقدسة. إثر وفاة والديه وزع ماله على الفقراء وترهب باسم نيكانور، لكنه لازم منزله وسلك في الأتعاب النسكية. كان يقضي لياليه في الصلاة وذراعاه إلى السماء كموسى. سامه أسقف المحلة شماساً فكاهناً وأسند إليه الخدم الليتورجية في الكاتدرائية. في سن السابعة والثلاثين خرج من تسالونيكي، تلبية لصوت إلهي. كرز، في طريقه، بالكلمة. استقر، لبعض الوقت، في قرية سراكينا. جرى به عدد من العجائب بنعمة الله. انسحب إلى قمة كليستراتوس. أقام في مغارة معلقة يعسر بلوغها. انصرف إلى أصوام متطرفة وصلوات متواصلة. تعرض لتجارب شيطانية قاسية، لكنه بعلامة الصليب وذكر اسم الرب يسوع انحفظ منها جميعاً. إثر وفاته خرب الأبالسة المغارة لكي لا يأتي مجاهد آخر لله ويقيم فيها. لم تبق أتعاب نيكانور وفقره الشديد مخفياً. انضم إليه عدد من التلامذة، بعد حين. باتت الحاجة ماسة إلى دير. رمموا ديراً باسم السابق المجيد قريباً من المغارة. بناء لإيعاز إلهي أخذ القديس إيقونة للسيد كانت مخبوءة في أعلى الجبل. بنوا كنيسة باسم التجلي وديراً واسعاً. بلغ عدد الرهبان، في غضون سنوات قليلة، المئات. لمع القديس كنجم ساطع. تدفق عليه الناس بعضهم للانضمام إليه وآخرون لسماع كلامه العذب وأخذ بركته وآخرون طلباً للشفاء من أسوائهم. بعدما أتم خدمته وسلم تلاميذه وصيته رقد في الرب إثر مرض طفيف سنة 1549م. أضحت رفاته مصدر أشفية للعديدين.
✥ القديس البار بيمين الكييفي المريض (+1110م)‏: كان القديس بيمين، منذ مولده، ضعيف البنية وعانى طيلة حياته عاهات جسدية شتى لم تؤذه بقدر ما أتاحت له أن يحفظ نفسه نقية من كل رذيلة. نذر، منذ ولودته الغضة، أن يصير راهباً، لكن والديه قاوماه. ذات يوم، إذ اشتدت علته وبدا كأنه أشرف على الموت عزم أبواه على أخذه إلى لافرا الكهوف في كييف سؤلاً لصلوات الرهبان. غير أن أدعية الآباء كانت بلا جدوى لأن قديس الله كان يعي أنه إذا ما شُفي فإن والديه سوف يبعداه عن الدير. لهذا صلى إلى الله سراً أن يمنع عنه الشفاء. وفي إحدى الليالي، إذ كان الجميع نائماً، ظهرت ملائكة في هيئة رئيس الدير وبعض الإخوة. فسّرت له أن هذه العلّة كانت تدبيرية من أجل خلاصه وأنه لن يستعيد عافيته إلا عشية رحيله. ثم اقتبل النذور باسم بيمين وأعطته الملائكة شمعة أوصته بتركها مضاءة أربعين نهاراً وأربعين ليلة. استيقظ الرهبان على صوت الأناشيد وأتوا إلى قلاية بيمين التي كانت عابقة برائحة الطيب، فاكتشفوا، بذهول، أن المريض كان يلبس الثوب الرهباني. استطلعوا وفحصوا ثم أقروا بصحة رهبانيه الرجل بعدما تبين لهم أن ثيابه المدنية وشعره المقصوص حديثاً قد جُعل على ضريح القديس ثيودوسيوس في الكنيسة. هكذا صار بإمكان بيمين أن يلازم الدير. ولسنين طويلة، عاش بيمين، بصورة متواصلة، أمراضاً رهيبة منفرة حتى إن الإخوة المكلفين العناية بالمرضى كانوا كثيراً ما يهملونه ويتخلفون عن العناية اللازمة به. كما كانوا يتركونه أياماً متواصلة بلا طعام ولا شراب. وقد جعلوا في قلايته أخاً آخر مريضاً. فلما كابد كلاهما النقص في الاهتمام زمناً، سأل بيمين رفيقه إذا ما كان ليرضى أن يقوم بخدمته لو استرد عافيته. فوافق الراهب الآخر وحظي، سريعاً، بالعافية بفضل صلاة قديس الله. لكنه، بعد وقت قصير من أداء الخدمة لبيمين، تعب وشعر بالقرف بإزاء علله وغادره كسواه إلى غير قلاية. إلا أنه عاد فمرض من جديد وعانى عطشاً لا ارتواء له. فلما انتهى الخبر إلى بيمين علق بالقول: "ما نزرعه إياه نحصد" (غلا7:6). ولكن رأفة به واجتناباً لرد الإساءة بالإساءة بعث يقول له أن يأتي لرؤيته. للحال نهض الراهب معافى تماماً وذهب يسأل العفو من رجل الله الذي ذكره بأن الذين يعتنون بالفقراء والمرضى يأخذون مكافأة أبدية ولا يهلكون أبداً. وأضاف أنه يكابد، من جهته، المحن بفرح دون أن يسأل الرب الإله البرء لثقته بوعد السيد: "بصبركم تقتنون نفوسكم" (لو19:21)، ولرجائه بأن يلقى في الحياة الأبدية جسداً لا يفسد. مذ ذاك لم يعد الراهب يغادر القديس، الذي كأيوب جديد لم يكن ليكف عن الشكران في محنه. مضى على قديس الله في هذه الحال عشرون عاماً. وعشية رحيله انتصبت ثلاثة أعمدة نارية فوق غرفة الطعام، ثم وجد القديس، في الكنيسة الرئيسية في الدير، صباحاً، في صحة تامة. وقد جال على القلالي وودع الإخوة وشفى المرضى، ثم توجّه إلى الكنيسة وساهم القدسات. تحول إلى مغارة القديس أنطونيوس الكييفي فتبرك وأشار إلى الموضع الذي رغب في أن يكون مثوى له. ثم قال بنبرة احتفالية: "ها هم الذين صيروني راهباً قادمون ليستقبلوا نفسي". وإذ تمدّد على سريره أسلم الروح بسلام.
✥ القدّيس البارّ أور (القرن 4م)‏: عاش أنبا أور سنين طويلة في العزلة في عمق الصحراء المصرية. أسلم نفسه لنسك صارم. كان يقتات من الأعشاب البيرة يأكلها نيئة. لا يشرب الماء إلا متى وجده. اعتاد الصلاة ليلاً نهاراً لخلاص كل الناس. قال كأنه عن آخر إن ملاك الرب بقي يأتيه بغذاء سماوي ثلاث سنوات. لما تقدم في السن ظهر له ملاك في الحلم ودعاه لاستقبال الناس واعداً إياه بكل ما يحتاج إليه لمعيشته. أتاه العباد بالآلاف ليتعاطوا الرهباينة في عهدته. كلما أتاه طالب، أول أمره، كان يبني له، بيديه، قلاية من طين. فمتى وفر له ما يحتاج إليه ليسلك بلا تشتت فكر غادره. هذا كان سعيه. ذات مرة فيما كان يبني قلاية بمعية الأنبا ثيودوروس قال أحدهم للآخر: "لو أتانا الله زائراً الآن فماذا كنا نفعل؟" فلما قالا ذلك بكيا وتركا الطين وذهب كل إلى قلايته. عاش إلى سن التسعين. كانت له لحية بيضاء طويلة. طلعته كانت كطلعة ملاك مشع من حضرة الله فيه. اعتاد أن يقبل الزائرين ويغسل أقدامهم ثم يعلمهم العقائد القويمة. كانت له نعمة معرفة الكتاب المقدس ولم يتعلم القراءة. من ثم، كان يدعوهم إلى رفع الصلوات إلى الإله القدير. كان يسوس تلاميذه بحكمة فائقة حاضاً إياهم على جعل حياتهم صلاة متواترة وألا تدخل قلايتهم كلمة غريبة عن سعيهم المقدس. كان الإخوة، في الكنيسة، اقتداء بأبيهم الروحي، يتصرفون بتقوى فائقة وانتباه عميم كما لو كانوا في السماء، في حضرة الملائكة والمختارين، يتلألأون بالنور. قالوا عنه إنه لم يكذب البتة ولم يحلف ولم يلعن أحداً. كما لم يكن يتكلم دونما حاجة أو مبرر.
❈ من أقواله: "إذا رأيت فكراً ما ضد أحد، أعلم أن ذاك أيضاً عنده فكر مماثل ضدي". توسل الأب سيصوي إلى القديس أور قائلاً: "قل لي كلمة يا أبت". فقال له: "وهل تثق بي؟" قال: "نعم". قال له: "اذهب واعمل ما تراني أعمله أنا". فقال له: "وماذا أرى فيك يا أبت؟" فقال له الشيخ: "في الفكر، أجعل نفسي دون جميع الناس". وقال: "التواضع هو إكليل الراهب". وقال أيضاً: "إن مَن يُحترم ويُمتدح، أكثر مما هو عليه، يهلك كثيراً. أما الذي لا يمتدحه أحد فإنه يتمجد من فوق". وقال: "عندما يأتيك فكر التشامخ والكبرياء، افحص ضميرك إذا كنت قد حفظت كل الوصايا أو أحببت كل أعدائك. وهل تحزن لهلاكهم. وإذا كنت تعتبر نفسك عبداً بطالاً وخاطئاً أكثر من جميع الناس. ولا تظن أبداً أنك قد قمت بهذه كلها، عالماً أن هذا الفكر يلاشيها كلها". وقال أيضاً: "في كل تجربة لا تلم أحداً بل نفسك فقط، قائلاً: إن هذه أصابتني من جراء خطاياي". وقال: "لا تقل في قلبك بشأن أخيك: أنا أكثر نسكاً وانتباهاً منه، إنما أطع نعمة المسيح بروح الفقر والمحبة التي لا رياء فيها لئلا تقع في روح الزهو والافتخار فتخسر كل أتعابك". وقال أيضاً: "اهرب من الناس على عجل أو انخرط في العالم والناس، جاعلاً نفسك جاهلاً في أمور كثيرة". قيل تنيح حوالي العام 390م بعد زيارة الراهبة ميلاني لنتريا. كتب عنه بالاديوس.



 

f t g