Deuxième Dimanche du Grand Carême
الأحد الثاني من الصوم -أحد القديس غريغوريوس بالاماس.
إن مجمع 1351 الذي انعقد في القسطنطينيّة، كان هامًّا جدًّا من الناحية العقائديّة، تبنّت فيه الكنيسة رسميًّا عقيدة التمييز بين الجوهر والقوى، حتّى أنها أبسلت من يُنكر هذا التمييز. وقد دخلت حروماته (أناثيما) في خدمة أحد الأرثوذكسيّة.
إنّ تثبيت القدّيس غريغوريوس بالاماس لتعاليم الكنيسة المقدّسة في القرن الرابع عشر ٱعتُبر ٱنتصارًا ثانيًا للأرثوذكسية بعد ٱنتصارها على محاربي الأيقونات. لهذا خصّصت الأحد الثاني من الصوم لذكراه إلى جانب عيده في 27 تشرين الثّاني الّذي هو تذكار رقاده، رغم أنّ البنية الليتورجية لهذا الأحد قد سبق إقرارها قبل القرن 14 بموجب خطوط أخرى. فعقيدة "تأله" الإنسان، الآبائيّة، هي غاية كل حياة الإنسان على الأرض.
التأله، بالنسبة للقدّيس غريغوريوس بالاماس، هو غاية خلقنا، غاية كل الوجود البشري، لهذا السبب صنعنا الله، لكي نصير "شركاء الطبيعة الإلهيّة" (2بط4:1).
هذا التأله، في الفكر الأرثوذكسي، هو شركة شخصيّة مباشرة للإنسان مع الله، إنها إمتلاء الكائن البشري من قوى الله أو من نعمة الله غير المخلوقة. هذه القوى الإلهيّة، أو النعمة الإلهيّة، الّتي تصدر مباشرة عن جوهر الله، الّذي لا يُقترب منه ولا يُدرك، رغم أنها متميّزة عن الجوهر الإلهي، إلا أنها متّحدة به بدون انفصال. الله في جوهره يبقى غير مقترب إليه، لكن في علاقته مع خليقته وفي سرّ الخلاص يعمل عبر قواه الإلهيّة.
لهذا ما نقوله عن صلاح الله غير المخلوق، أو المجد الأزلي، أو الحياة الإلهيّة، وما يماثلها، تحصل عبر اشتراك الإنسان في القوى غير المخلوقة، الّتي هي الله نفسه، وليس في "جوهر الله الفائق الجوهر". هذه القوى هي مشتركة بين أقانيم الثالوث الثلاثة. وبعمل النعمة في النفس البشريّة، كما يصف بالاماس:
"الله كلّه يأتي فيسكن في كيان المؤهّلين كلّه، والقدّيسون بكليّتهم يسكنون بكلّ كيانهم في الله كلّه، ممسكين بالله كلّه" .
آمين
Dimanche du Pardon
أحد الغفران.
" اغفروا يغفر لكم" (لوقا 3- 37)
" كونوا لطفاء بعضكم نحو بعض شفوقين متسامحين كما سامحكم الله أيضاً في المسيح " ( افس 4-32)
"محتملين بعضكم بعضاً ومسامحين بعضكم بعضاً إن كان لأحد على أحد شكوى، كما غفر لكم المسيح هكذا أنتم أيضاً "(كولوسي 3- 13 )
إنَّ هذا اليوم المقدّس المعروف بمرفع الجبن أو أحد الغفران، حيث نتأهَّل لندخل بنعمة الله غداً الصيام الكبير المقدّس.
ألصوم هو ليس بنظام أكل خاص فقط، وإنَّما هو أعمق من ذلك بكثير، إنه فترة حرب وجهاد روحي مع قوى الشر الموجودة في داخلنا، فليس الهدف أن نقطع عن طعام مُعيَّن فقط وإنما نحن نحارب شهواتنا وأهواءنا ونُحَاوِل أن نكتَسِب بعض الفضائل التي تؤهّلنا إلى معاينة نور القيامة.
إن إنجيل اليوم يبداء بتوصية شريفة "إغفروا للنّاس زلاّتهم"
من نحن لنغفر ! إن الله وحده هو الغفور. لكنّنا نستشف من هذا القول أن يكون لنا دورٌ في نظافة أنفسنا الداخليّة وقلوبنا، وأن لا نحمل على إنسان آخر حقد أو ضغينة لأننا لا نستطيع أن ندخل إلى صومٍ بهدف أو غاية أسمى من التي فيها غاية لهذا الغفران، فالصوم يُدَرّبنا أن نتحلّى بضبط النفس لنصير مقبولين عند الله.
فبالمغفرة نشعر أنَّنا صرنا على أبواب العلاقة مع الله التي تكتمل بالصوم المبارك، والصوم هو علاقةٌ بين الله والإنسان ولا شيء آخر البتّة. لذلك قال إنجيل اليوم: "عندما تصوم لا تظهر للناس صائماً بل لأبيك الذي في الخفية".
آمين
Salat AL GHOUROUB
التثقيف الليتورجي المبسّط ء سلسلة...
صَلاة الغُروب.
صَلاة الغُروب هي بِدءُ اليوم الليتورجي، ويُقراء فيها المزمور ١٠٣: "باركي يا نفسي الرّب..." الذي هو مزمور الخّلق. تُشِير هذه الصلاة من جهة، إلى العبادة في الهيكل الناموسي: "لترتفع صلاتي كالبخور أمامك...". كما تُشِير إلى التوبة المسائيّة. هذا ما يذكره القدّيس باسيليوس الكبير في قوانينه (٣٧) ويشير إليه التَبخِير على المزمور ١٤٠.
وهي صَلاة الشِكر المسائيّة على هِبَةِ النّور، وإلى هذا يُشير النشيد الأساسي في صلاة الغروب: "أيّها النورُ البهيّ..." الذي يعدّ من أوائل الترانيم المسيحية.
في الكنيسة نبتدئ اليوم الليتورجي بصلاة الغروب أي عند المساء لذلك تُعرف صلاة الغروب أيضاً بصلاة المسَاء ومصدر هذا هو سفر التكوين "وكان مساء وكان صباح يوم آخر" (تك ٥:١) ونُلاحِظ أنَّ إسم هذه الصلاة مُتجانس مع الوقت الذي تُقام فيه، أي مع غروب الشمس. إنَّها تُمَثِّل كل تدبير الخلاص: خَلق العالم، وسُقوطه، وافتداؤه.
لقد ابتعد الإنسان عن الله وغرق في ظُلُمات وظِلالِ الموت لهذا هو يصرخ نحو الله ليرى النّور " يا رَبِ إليكَ صَرَختُ ..." . وفي النهاية يدعو الجميع(جميع الأمم) على تسبيح الرّب لأنّه وحده مبدع كل شيء. "سبحوا الرب يا جميع الأُمَم وامدَحُوهُ يا سَائِرَ الشُعُوب".
في آخر هذه المزامير وقبل نهايتها تُتلى قِطَع بالتناوب مع آيات المزامير تخصّ العيد أو القدّيس الذي نُعَيّد له، وتنتهي بقطعة لوالدة الإله تُعَظِّمُها وتَتَكَلّم عن سِرِّ التجسّد الإلهي. وفي هذه الأثناء يجري الدخول المسمّى إيصودون حيث يحمل الخادم الشمعة والكاهن المبخرة ويخرج من باب الهيكل الشمالي ويجتاز وسط الكنيسة إلى أمام الباب المُلوكي مماثلين لمجيء المسيح إلى العالم (مجيء النّور) " يا نوراً بهياً..." فبعد صراخ الإنسان من الظلمة الآن هو يعاين النّور، النّور الذي لا يغرب المُضِيء للجميع الذي لا يعروه فساد، الرّب يسوع المسيح.
بعد دخول الكاهن إلى الهيكل يرتل "البروكيمنون" وهو عبارة عن آية من أحد المزامير ولكل يوم من أيام الأسبوع "بروكيمنون" خاص به وبعده طلبة إبتهالية يتلوها الكاهن ويبتهل فيها من أجل كل الشعب ويُتلى بعدئذ إفشين "أهِّلنا يا رب"، وهي مختارات من آيات مأخوذة من كتاب المزامير في العهد القديم تبدأ بالطلب من أجل عبور المساء دون خطيئة. وبعد ذلك يتلو الكاهن الطلبة التي تبتدأ ب: " لنكمل طلباتنا المسائية للرب...." وهي ما يعرف بطلبة السؤالات.
تنتهي الصلاة عادة بالنشيد الذي قاله سمعان الشيخ عند دخول السيّد على الهيكل بعد أربعين يوماً من ولادته "الآن تطلق عبدك أيها السيّد على حَسَبِ قولِكَ بسلام فإن عَينَيَّ قد أبصرتا خلاصَكَ الذي أعدَدتَه أمام وجه كلّ الشعوب نوراً لاستعلان الأمم ومجداً لشعبك إسرائيل". فبعد أن يعاين الإنسان هذا النّور الذي لا يغرب، النّور الإلهي، يَطلب منه أن يطلقه بكلّ سلام على رجاء أن يعود فيرى هذا النّور في اليوم التالي.
آمين
Salat AL NAWM
لتثقيف الليتورجي المُبَسَّط، سِلسِلَة...
صَلاة النوم الصُغرى، وصَلاة النوم الكُبرى.
إسمها باليونانيّة "بعد العشاء"، لأنها كانت تُصلَّى في الأديار بعد العشاء، وقبل الذهاب إلى النّوم.
يغلب على هذه الصلاة عواطف النّدامة والإستعداد للموت. كما نرى في المزامير وفي الصلاة الخِتاميّة للسيّدة والدة الإله وللسيّد يسوع المسيح. ونصلّي قائلين: "كوني معي حين وفاتي، وفي يوم الدينونة الرهيب" وأيضًا: "أعطنا راحة النفس والجسد واحفظنا من رقاد الخطيئة القاتم". النوم والموت صِنْوَان يَتَمَيّز الواحد عن الآخر بأنّ الأوّل هو أمدٌ زمنيّ وأما الثاني فأبديّ.
صلاة النوم الكبرى خاصة بزمن الصوم الكبير قبل الفصح. أمّا النوم الصغرى فهي لباقي أيّام السنة.
صلاة النوم الكبرى، ومثلها الصغرى تقريباً، تحتوي على أجمل هذه المزامير، أمّا المزمور الخمسون فهو قمّة هذه المزامير إنه "صلاة التوبة"، لهذا نُدرِك سبب استخدامه المتواتر في الكنيسة بشكل مُمَيَّز عن سائر المزامير الأخرى. فبه تبدأ صلاةُ منصف الليل ويُعاد في السحر أيضاً وفي صلوات الساعات نُكَرِّره، أضِفْ إلى ذلك صلاة النوم، وهذا يوميّاً. ولعلّه المزمور الأوّل الذي يَحفَظه أغلب المؤمنين غَيبَاً ويُرَدِّدُونهُ.
ويضاف في صلاة النوم الكبرى ترتيل قطع من المزامير بالتَناوُب يليها عبارة " لأن الله معنا " وهي تتحدث عن افتقاد الله لشعبه وتجسّده، كما يرتِّل فيها: "يا ربّ القُوات كن معنا لأنه ليس لنا في الأحزان معين سِواك "، حيث أن فِترة الصّوم هي فترة حزن عن الخطايا والسلوك غير النّافع ولذلك يضرع المؤمنون للرّب أن يُرافقهم ويُنهضهم من سقطاتهم ويُخَلِّص مِنَ الأحزان حياتهم.
آمين
Salat AL MADI7
التثقيف الليتورجي المبسّط، سلسلة...
صلاة المديح الذي لا يُجلَس فيه."الأوكاثيستون"
هي خِدمَة لوالدة الإله مرتبطة بعيد البشارة الذي يقع في الصوم الكبير.
في ممارستنا الحالية نقيم جزءاً منها مساء كل جمعة من اسابيع الصوم الأربعة الأولى، ثُمَّ نَعيدُها كاملةً في الأسبوع الخامس، وهي في الأساس عبارة عن نوعين من التسابيح هما "القنداق" و"القانون" نتلوهما ضمن خِدمَة صلاة النوم الصغرى.
"ألقِنداق" هو نَمَط شِعري كُتِبَت فيه التَسَابيح والأناشيد الكَنَسيّة باليونانيّة ،في القرنين السَادِس والسَابع، يَعتَمِد على السَرد القصصيّ، وذكر الحوادث المُهِمّة المُرتبطة بالمناسبة المعيّد لها. ويتألف "القنداق" عامةً من مقدمة قصيرة توجز مضمونه، تليها مقاطع تُسَمّى "ابياتَاً"، يتراوح عددها بين ٢٠و٣٠ بيتَاً.
خِدمَةِ المَديح مَنظومة على هذا النوع من الكِتابة الشِعريّة مِن أربعة وعشرين بيتَاً، تُشَكِّلُ الحُروف الأولى مِن الأبيات الأبجديّة اليونانيّة بحُروفِها الأربعة والعشرين. يَتَمَيّز قنداق المديح بلازمتين: الأولى "افرحي يا عروسَاً لا عريس لها"، والثانية هي عبارة "هللويا".
مِن حيث الإسلوب نجد في صياغة قِنداق المديح إستعمالاً لنوعين أدبيين، الأول هو ما يُسَمّى بالنشائِد الشِعريّة. والنوع الثاني هو إسلوب النشائِد الإبتهالية، وقد صِيغَت فيه الجمل الشِعريّة التي تأتي بعد فاتحات الأبيات المفردة، والتي تبتدئ بعبارة "إفرحي".
أمّا مِن حَيثُ المَضمون، فيقسم قنداق المديح الى قسمين: تاريخي ولاهوتي: يشمل القِسم التاريخي الابيات الـ ١٢ الأولى، وفيه سرد لأحداث البشارة والميلاد والدخول إلى الهيكل كما وردت في الإصحاحين الأولين من إنجيلَي متّى ولوقا، أما القِسم اللاهوتي فيشمل الأبيات الـ ١٢ الاخيرة، وفيه إعلان لعقيدة التجسّد، وتأمّل في دور والدة الإله.
في السابع من آب عام ٦٢٦ إثر نجاة القسطنطينية من أيدي الفرس والأفاريين الذين كانوا يحاصرونها، إجتمع الشعب في كنيسة الحكمة الإلهية Agia Sofia، ورَتَّلوا قِنداق المَديح بكامله وقوفًا بعد أن أضاف اليه البطريرك المسكوني سرجيوس مُقَدِّمَة أخرى هي: "إني أنا مدينتك يا والدة الإله" لأن المدينة شاهدت سيِّدة عظيمة في سمائها تُحَطِّم الإسطول الفارسيّ، وهذا ما يجعلنا نفهم معاني المقدمة هذه :
"إنّي انا مدينتكِ يا والدة الإله أكتب لكِ رايات الغلبة يا جنديّة محامية وأقدِّم لك الشُكر كمنقذةٍ مِنَ الشَدائِد لكن، بما أن لكِ العِزَّة التي لا تُحارَب أعتقيني من صنوف الشدائد حتّى أصرُخُ إليكِ إفرحي يا عروساً لا عريس لها"
منذ ذلك الوقت صار القنداق يُرتَّل مرّة ثانية في عيد نَجاة القسطنطينية في السابع من آب.
مؤلف قنداق المديح هو القديس رومانس المرنِّم، الحمصي الأصل (عاش في القرن السادس)، وقد كان رائدًا في كتابة هذا النوع من الشعر. أمّا القانون فهو نمط شِعري جديد برز مع انحسار استعمال القنداق، نظمه القديّس يوسف المُنشِئ (ألقرن التاسع)، أما المقاطع التسعة الرئيسيّة، أو "الاراميس"، اي "أَفتح فمي فيمتليءُ روحاً.." وما يتلوها، فهي من نظم القدّيس يوحنّا الدمشقي (القرن الثامن)، وقد بنى على اساسها يوسف المنشئ قانونه.
الأحرف الأولى من مقاطع قانون المديح في اليونانية تؤلّف العبارة الآتية: "يا مستودع الفرح، بكِ وحدكِ تليق التحيّة بالسلام ليوسف".
آمين
La Divine Liturgie
التثقيف الليتورجي المبسّط، سِلسِلة...
القدّاس الإلهي (مملكة الثالوث).
هنا سنقدّم شرحاً مُفَصّلاً لكُلّ مراحل ومعاني الخِدمَة الأسمى في الليتورجيا المسيحيّة.
القدّاس الإلهي هو سِرّ حضور المسيح، وبالتّالي هو كشف للمملكة المباركة "مملكة الآب والإبن والرّوح القدس" لأنّ حضور المسيح هو نفسه ملكوت الله، إنّ هذا الحضور يُحَوِّل الأرض إلى سماء.
المكان الذي يَلتَئِم فيه المؤمنون ليشكروا الرّب هو "مقرّ ملائكته، مقرّ رؤساء الملائكة، ملكوت الله، السماء نفسها".
"إنَّ هدف مسيرة حياتنا هو الملكوت، فنحن نُبَارِك الله، أي إنَّنا نُعلِن أنّه هو هدفنا، مقصد حياتنا، وغاية الخليقة بأسرِها". يقول الكاهن هذا الإعلان وهو يرسُم بالإنجيل إشارةَ الصليب.
العمل الأول الذي يقوم به الكاهن هو إعطاء بركة الصليب، فالقداس الإلهي هو ملكوت الله الذي يقود إليه الصليب الذي عُلِّقَ عليه ملكُ المَجد. وألصليب هو البُرهان أنَّ المسيح هو وحده الملك الحقيقي، إنه بالصليب فتح لنا الملكوت.
ألشعب يقول "آمين" دلالة على قبولهم الحقيقة الموجودة في إعلان الكاهن ويُعَبِّرون عن تَوقِهِم إلى تَذَوُّق المَلَكُوت.
( لاحقاً سنقدّم شرحاً مُفَصّلاً لكُلّ مراحل ومعاني الخِدمَة الأسمى في الليتورجيا المسيحيّة) التي تختصر بترتيبها في:
- ألطلبة السَلاميّة الكُبرى.
- ألأنديفونات.
- ألدخول.
- ألتريصاجيون.
- قراءة الرسالة ثم قراءة الإنجيل المقدس.
- ألعظة، الدرس المقدّس.
- قدّاس المؤمنين: "الأنديمنسي"، صلاة الكاهن من أجل نفسه، الشاروبيكون، الدخول الكبير، الطلبات، قانون الشكر أو الكلام الجوهري، دستور الإيمان، إستدعاء الروح القدس، القدسات للقديسين، ألمناولة، ألانتهاء من المناولة.
ثم يخرج الكاهن ويقف أمام أيقونة السيد ويتلو هذه الصلاة: "يا مبارك مباركيك يا ربّ ومُقُدِّس المتّكلين عليك.. " يضرع إلى الله أن يحفظ شعبه ويباركه ويُقَدِّسه... ويُجيب الشعب بالنشيد: "ليكن إسم الرّب مباركاً..". الإسم شيء مهم، لأنه يستدعي صاحبه، وهكذا نبارك الرب عبر مباركتنا اسمه.
أخيراً قبل انطلاقنا يمنحنا الكاهن بركة الله، لأنّه بدون بركة الرّب ونِعمَتِهِ ورحمَتِهِ لا نستطيع عمل شيء ولا الإستمرار في دعوتنا. ثم يتضَرَّع إلى المسيح القائِم من بين الأموات بشفاعات والدة الإله وبقوّة الصليب الكريم و...
لقد كنّا في الملكوت ونحن خارجون إلى العالم والله سوف يعطينا خيرات العالم باتكالنا عليه وطَلَبنا لملكوته أولاً.
آمين
La constitution de la foi
دستور الإيمان النيقاوي القسطنطيني.
أؤمن بإلهٍ واحدٍ، آبٍ ضابط الكلّ. خالق السماء والأرض، كل ما يُرى وما لا يُرى، وبربٍ واحدٍ يسوع المسيح، ابن الله الوحيد، المولود من الآب قبل كل الدهور، نور من نور، إله حق من إله حق، مولودٌ غير مخلوق، مساوٍ الآب في الجوهر، الذي به كان كلّ شيء، الذي من أجلنا نحن البشر ومن أجل خلاصنا، نزل من السماء، وتجسّد من الروح القدس، ومن مريم العذراء، وتأنّس، وصُلِب عنّا على عهد بيلاطس البنطي، وتألّم، وقُبر، وقام في اليوم الثالث على ما في الكتب، وصعد إلى السماء وجلس عن يمين الآب، وأيضًا يأتي بمجدٍ ليدين الأحياء والأموات، الذي لا فناء لملكه، وبالرّوح القدس، الرّب المحيي، المنبثق من الآب، الذي هو مع الآب والإبن، مسجودٌ له ومُمَجّد، الناطق بالأنبياء، وبكنيسة واحدة، جامعة، مقدّسة، رسوليّة، وأعترف بمعموديّة واحدة لمغفرة الخطايا، وأترجّى قِيامَة الموتى، والحياة في الدهر الآتي. آمين
هذا الدستور (القانون) للإيمان وُضع على مراحل حسب ظهور الهرطقات (البدع) واضطرار الكنيسة للدفاع عن إيمانها. وقد سُمّي بالنيقاوي القسطنطيني لأن قسمًا منه وُضع في المجمع المسكوني الأوّل الذي انعقد سنة الـ ٣٢٥ م في نيقية (آسيا الصغرى، تركيّا اليوم). ثم اُُكمِلَ في المجمع المسكوني الثاني الذي انعقد سنة الـ ٣٨١ م في القسطنطينية (تركيا اليوم).
منذ العهد الرسولي تضمّنت العِبادة المسيحيّة الإعتراف العلني ببعض عناصر مُقَوّمَات الإيمان وخاصةً عند الإستعداد لسرّ المعمودية وإقامته. وفى شرقنا المسيحي دخل دستور الإيمان النيقاوى القسطنطيني خدمة القدّاس الإلهي كجزء رئيسي منه في القرن الرابع، وتصدّر الكلام الجوهري.
يُستَهَل دستور الإيمان بكلمة "أؤمن" وليس "نؤمن" ليظهر للشعب المسيحي قيمة الإلتزام الشخصي لكلِّ عضو في الكنيسة. لذلك يجب أن لا نتلو دستور الإيمان تلاوة هامشيّة أو أن نوكل ذلك إلى أي كان دون اشتراكنا الفعلي بذلك، إذ المطلوب من كل مؤمن أن يتبنّى إيمان الكنيسة وأن يلتزم به شخصيًا.
آمين
L’entrée de notre Seigneur au Temple
عيد دخول السيّد إلى الهيكل (عيد اللقاء)
تحتفل الكنيسة الأرثوذكسية في اليوم الثاني من شهر شباط بعيد تقدمة الرّب إلى الهيكل، متذكرين سمعان الشيخ البار الذي حمله على ذراعيه وأدخله الهيكل.
لقد رتّب أباء الكنيسة الأرثوذكسية هذا العيد ليكون في عداد الأعياد السيّديّة الكنسيّة أي الأعياد المخصّصة بالرب يسوع المسيح والروح القدس والصليب، التي لها مهمّة واحدة وهي إعلان خلاص الرب لبني البشر.
أما عيد تقدمة الرّب إلى الهيكل فله نافذة خاصة تؤكّد لنا إلوهيّة يسوع الإله المتجسد من مريم العذراء لخلاصنا، وذلك بشهادة مار سمعان الشيخ على إلوهيّته، وكيفيّة تجسّده، فالشاهد والمشهود له يجب أن يكونان في الصورة ليكمل المنظر الواضح لهويّة يسوع الإلهيّة، والهويّة البشريّة المنحدرة من السلالة الملوكيّة الداوديّة حسب النبوّة، ثم قبل أن ننظر إلى هويّة يسوع الإلهيّة والبشريّة، علينا أن نبدأ في تثبيت كفاءة الشاهد البشري سمعان الشيخ للشهادة على إلوهيّة الطفل يسوع.
فسمعان الشيخ هذا كان باراً تقياً وروح الرب عليه، لذا أُوُحي له بأنه لن يرى الموت قبل ان يرى مسيح الرب، وهكذا جاء الرّوح الالهي الى الهيكل، عندما دخل يوسف ومريم بالصبيّ اتماماً لمقتضيات الشريعة، أخذ سمعان الصبيّ على ذراعيه وبارك الله، ثم فتح فمه قائلا القول الشهير بالإطلاق:
"الآن اطلق عبدك أيها السيّد على حسب قولك بسلام فإن عينيّ قد أبصرتا خلاصك الذي أعددته أمام كل الشعوب نوراً لاستعلان الأمم ومجداً لشعبك اسرائيل" .
إن هذه الصلاة التي قالها سمعان الشيخ تردّدها الكنيسة يوميا في كل صلواتها، تردّدها كل نفسٍ مسيحيّة مشتاقة الى الفرح السماوي والى الدّيار السماوية ، فنقولها بعد القداس الإلهي في صلاة الشكر بعد المناولة وكذلك في صلاة الغروب .
آمين
L’Epiphanie
الظهور الالهي
للمتروبوليت جورج خضر. (سنة ٢٠١٢)
يا اخوة، واضح من عبارة بولس الالهي من هذه الكلمة ما أرادت الكنيسة ان تعيد له هو ظهور الثالوث الاقدس. عقيدتنا نحن أننا نؤمن بإله واحد في ثلاثة اقانيم. ظهرت الاقانيم الثلاثة بوجود الاقنوم الثاني، اعني الابن في الماء. ثم، ظهر الآب بصوت بشري قائلا "هذا ابني الحبيب" او " انت ابني الحبيب الذي به سررت". وظهر الروح القدس بصورة حمامة. اتخذ هذه الصورة ليدل الله بذلك على انه آب وابن وروح قدس.
ما علاقة هذا بالمعمودية؟ المؤمنون يركزون على المعمودية. يسمونها باللغة الدارجة "الغطاس". الغطاس كلمة عامية تدل على ان يسوع غطس في نهر الاردن. عندنا شيئان. عندنا الظهور الالهي كما سمعتم هذا في الانجيل. ظهور الآب. ظهور الروح القدس بهيئة حمامة. ظهور الابن بالجسد، هذا الذي كان غارقا في نهر الاردن.
العلاقة بين ما نسميه الظهور الالهي ومعمودية المسيح، ان الله الآب ظهر على المسيح المتواضع. المعمودية كما نمارسها اليوم في الكنيسة مع الاطفال، نغرّق الولد بالماء، يعني نميته بدون ان نميته فعليا جسديا. نصور انه يموت مع المسيح.
عندما نكون تحت الماء نكون امواتا. وعندما ننهض من الماء نحيا. من لا يغرق يعيش. ما معنى كل هذا الكلام؟ يسوع اعطى شيئين في هذا العالم. اعطى موته وقيامته. نحن نحيا بموته على الصليب. ونسمي الصليب المجيد المحيي، وليس الذي يميت. يميت في الاول ولكن في النهاية يحيي. الصليب هو المحيي. فكما ذاق المخلص موتا بالجسد، وذاق القيامة من بين الاموات، هكذا نحن لا نموت. ولكن نميت الشهوات الكامنة فينا. كل شغلنا في الحياة المسيحية وكل تعليمنا غايته ان يتحرر من شهواته ويعيش مع المسيح.
عندما نعمد ولدا، نقول له بشكل صورة " غرقناك الآن بالماء حتى تغرق خطاياك". لم تنته القصة عند حدود الماء والصابون، بل ابتدأت القصة. يبدأ هذا المسيحي ان يفهم ان كل حياته هي مكافحة خطاياه. ليس عنده شيء آخر الا ان يقطع الخطيئة من جذورها. لانه لا يقدر ان يؤمن بالله اذا كان يلح على الخطيئة. لا يتفق الله مع الخطيئة. اذا، عليك ان تبغض الخطيئة التي فيك. واعطيناك المعمودية لكي تتذكرها كل يوم. فانت لم تتعمد عندما كان عمرك عشرة ايام او شهر او كذا، انت تعمدت لكي تبقى معمدا. مثلما غرقناك بالماء تغرق انت خطيئتك. المعمودية عمليا مستمرة كل الحياة. بشكلها صنعناها مرة واحدة يوم تعمد الطفل. ولكن بحقيقتها وبمعناها وبمغزاها هي ا ن نميت الخطيئة التي فينا، وننهض من الماء. اي ان نعيش مع المسيح آخذين قيامته في كياننا.
الله كثالوث اقدس ظهر على نهر الاردن على المسيح الذي يتعمد. معنى هذا انه ظهر ايضا على الانسان المتواضع والذي يعرف والذي يريد والذي يصر ان يميت خطيئته وبعده عن الله والحقد والبغض والغضب والكذب وكل خطيئة فيه ليعيش مع المسيح.
نحن عمدناك لكي تقتل الخطيئة التي فيك. فعندما تقتل الخطيئة التي فيك وتريد ان تقتلها. السؤال. من يكذب منا قرر ان يصير صادقا؟ من يسرق ويحتال على الطريقة اللبنانية. كيف يسمي نفسه مسيحيا من يعيش على البغض والكره؟ شخص لا نتكلم معه منذ اربعين سنة. كيف هذا! كلهم يأتون. الذين يتكلمون مع بعضهم، والذين لا يتكلمون مع بعضهم. الذين يحبون بعضهم، والذين لا يحبون بعضهم. كلهم يأتون الى الكنيسة. كيف هذا يصير! كيف يظهر الله عليهم؟ كيف يحركك الله؟ كيف يكون الله في قلبك؟ وهذا الشخص الذي تكرهه لم تجعله في قلبك.
الله يعيده عليكم بالمعاني التي قلتها. صحيح اننا اخذنا ماء، ولكن لكل هذا معاني. نحن نشرب من هذا الماء وننضح به بيوتنا حتى نقول لله " بدنا نصير ناس جدد. بدنا نغتسل بنعمتك". كل يوم نغتسل بقوة الله وبمحبته. كل يوم هو ظهور الهي.
الله يعيد عليكم معاني هذا العيد والتجدد. الله يعيد عليكم هذا العيد كل يوم. ارجو ان يظهر الله في قلب كل منكم، ليراكم انقياء.
تفريغ الايبوذياكون مكسيم الصباغ
آمين
Une divinité avec une Trinité
الألوهة الواحدة بالثالوث.
عظة للقديس غريغورويوس اللاهوتي:
عندما أذكر الّله ًفليُنِركم نور واحد، وفي الوقت ذاته أنوار ثلاثة من حيث(الخواص) أي ثلاثة أقانيم، إذا شاء أحدكم أن يسمي الخواص أقانيم أو أشخاصاً (ولا خلاف في التسمية ما دامت هذه الكلمات تعني شيئاً واحداً).
الألوهة واحدة في الجوهر تنقسم بدون انفصال أو تجزئة، وتتحد وتبقى منقسمة لأن الألوهة واحدة في ثلاثة أقانيم، والثلاثة الأقانيم جوهر واحد في الألوهة.
إننا سنتحاشى التطرّف والحذف غير جاعلين من الوحدة تشويشاً ومن الإنقسام فعلاً وغربةً حتى يبقى موقفنا بعيداً عن مذهب سيفيليوس في مزج الأقانيم، ومذهب آريوس في التقسيم والتفريق بين الأقانيم، وكلا المذهبين غارقان في الضلال، وكلاهما في اعتبار واحد من المذهب وشر الاعتقاد. لأنه ما هو الموجب إلى هذين المعتقدين الرديئين في المزج والتفريق؟
إننا نعتقد بإله واحد، الآب الذي منه كل شيء، ورب واحد يسوح المسيح الذي به كان كل شيء، وروح قدس واحد الذي فيه كل شيء. الأقانيم الثلاثة هي بلاهوت واحد.
ولكي يربط الّله بين السماء والأرض، وُتملأ الدنيا بمجد الله، خلق الإنسان الذي أكرمه بالصورة الإلهية. ولما سقط الإنسان في الخطيئة، وابتعد عن ربه بحسد الشيطان، لم يتغافل عنه ولم يهمله. ماذا حدث؟ وما هو التدبير في استدراك هذا السقوط؟ وما هو السر الرهيب العجيب الذي صار من أجلنا؟ تتجدد الطبيعة، والله يصير إنساناً ويسمّى ابن الإنسان لا يعني هذا أنه تغيّر مما هو عليه، فهو غير متغير، بل اتخذ ما لم يكنه (لأنه محب للبشر) فيصير غير الموسوع موسوعاً، ويخاطبنا بالجسد كما هو من وراء الحجاب. لأن الطبيعة البشرية الخاضعة للفساد لاتستطيع أن تحتمل ألوهيته إذا ظهرت. ولذلك اتحد الشيئان المتضادان: الولادة مع البتولية، وغير المتألم مع الألم، وغير المائت مع الجسد المائت! وبما أن مخترع الشر ظن أنه لا يُغلب ما دام قد خدعنا، انخدع هو ذاته بظهور المجد بمهاجمته لآدم الجديد فاصطدام بالله، وهكذا خّلص آدم الجديد آدم القديم، وحلّ دينونة الجسد مميتاً الموت بالموت.
آمين
Prière pour le nouvel an
طلبة رأس السنة،
تقال في رأس السنة بعد نهاية خدمة القداس الإلهي.
أيها الرب إلهنا، يا من أقام بسلطانه الأزمنة والأوقات، الأزلي والأبدي، الدائم وجوده، والكائن هكذا هو هو، ولا يعتريه تحول، يا من يكمل الأشياء كلها، يا من أهلنا بعواطف رحمته التي لا توصف لأن نصل إلى سنة جديدة. أنت أيها السيد الكلي صلاحه، بارك بنعمتك الإلهية هذه السنة، واجعلها سنة خير باعتدال الفصول، ووفرة غلال الأرض، وانتظام الرياح.
وأعطنا أن نجوز السنة المقبلة بسلام ووئام، متزينين بإكليل الفضائل، وسالكين بنور وصاياك كأبناء للنهار.
واحفظ كنيستك المقدسة بسلام، واعضد بقدرتك حكامنا وهبهم سلاماً وطيداً لا ينتزع. هذّب الأحداث، شدّد الشيوخ، إجمع المتفرقين، رد الضالين وضمّهم إلى كنيستك المقدسة الجامعة الرسوليّة. أصبغ على الجميع صلاحك وبرّك وسلامك، وأهّلنا لأن نمجّدك ونسبّحك بفم واحد وقلب واحد أنت الإله المثلّث الأقانيم، الأبدي والأزلي، المبارك إلى دهر الداهرين. آمين
Saint Daniel
✥ القديس دانيال النبي والفتية القديسون الثلاثة حنانيا وعازريا وميصائيل:
القديس دانيال النبي هو الذي تسمى السفر الرابع من أسفار الأنبياء الكبار باسمه بعد إشعياء وإرميا وحزقيال. هذا وفق ترتيب الترجمة السعينية لأسفار العهد القديم. وقد ورد أكثر أخباره في هذا السفر. كما ذكرته قصّة سوسنّة وقصّة بال والتنّين الواردتان، في الترجمة السبعينية، مباشرة قبل سفر المكابيّين الأول. أما الفتية الثلاثة القدّيسون فنلقى روايتهم في سفر دانيال النبي عينه. ولهم، في الترجمة السبعينية، نشيد يعرف بـ "نشيد الفتية الثلاثة" تجعله الترجمة السبعينية قبل قصّة سوسنّة مباشرة.
يذكر أن الترجمة الكاثوليكية العربية للكتاب المقدس تثبت نشيد الفتية الثلاثة كتتمة للإصحاح الثالث من سفر دانيال، فيما تجعل قصة سوسنّة في الإصحاح الثالث عشر من السفر وقصّة بال والتنّين في الإصحاح الرابع عشر.
دانيال النبي ورفقته: هو أحد أمراء بني إسرائيل الذين أجلاهم نبوخذ نصّر، ملك بابل، إلى بلاده بعدما استولى على أورشليم في حدود العام 597 ق.م في السنة الثالثة من ملك يوياقيم، ملك يهوذا. وقد اختير دانيال من ضمن مجموعة من الأمراء الفتية الذين "لا عيب فيهم، حسان المظهر يعقلون كل حكمة ويدركون العلم ويفقهون المعرفة، ممن يكونون آهلاً للوقوف في قصر الملك ولتعلّم أدب الكلدانيين ولسانهم" (دانيال4:1). وكان من المفترض أن تُعدَّ المجموعة خلال ثلاث سنوات في ما يشبه الأكاديمية الملكية ثم توضع في خدمة الملك. كان دانيال في حدود السابعة عشرة من عمره، وقد أعطي اسم بلطشصّر وحُدّدت له حصّة يومية من طعام الملك وخمر شرابه. الأمر نفسه حصل لفتية ثلاثة آخرين من أمراء إسرائيل هم حنانيا وميصائيل وعازريا. وقد أعطي الأول اسم شدراخ والثاني اسم ميشاخ والثالث اسم عبدناغو.
ولكن لم يشأ دانيال ورفقته أن يتنجّسوا بطعام الملك وشرابه. أغلب الظن لأنه كانت له علاقة بالأوثان. ذاك كان عندهم حراماً يوازي الشرك وتالياً الكفر بإله إسرائيل. فسألوا رئيس الخصيان المولّج إليه أمر العناية بهم أن يعفيهم فوافقهم، بعون الله، بعد لأي، فاكتفوا من الطعام بحبوب القطاني ومن الشراب بالماء. وكانت النتيجة أن بساطة طعام الأربعة، على بركة الله، متّعتهم بصحة وعافية فاقتا سائر الشبّان الذين اغتذوا بمآكل الملك.
"وأعطى الله أولئك الفتية الأربعة معرفة وفهماً في كل أدب وحكمة. وكان دانيال ذا فطنة في جميع الرؤى والأحلام" (دانيال17:1). فلما وقفوا أمام الملك فيه الوقت المعيّن لهم فاقوا بعشرة أضعاف جميع السحرة والعرّافين في المملكة.
الحلم وتفسيره: وسنحت الفرصة لدانيال أن يظهر علمه وحكمته وأن يعلو شأنه يوم عاين نبوخذ نصّر الملك، أثناء رقاد النوم، حلماً أقلقه، فطلب أن يبيِّن السحرة والعرّافون والرقاة والكلدانيون الحلم وتفسيره. لم يكتفِ بالتفسير لأنه قال يكذبون عليّ، ولكن لو عرفوا الحلم أولاً لأمكنني تصدبقهم. فأجاب الكلدانيون أنه لا طاقة لإنسان على ذلك سوى الآلهة "الذين لا سكنى لهم مع البشر" (دانيال11:2). فغضب الملك وطلب أن يُبادوا. فلما بلغ دانيال قرار الملك استوضح الأمر ثم طلب مقابلته. فلما دخل عليه استمهله زماناً لتبيان الحلم وتفسيره فأمهله. والتمس الأربعة، دانيال ورفقته، رحمة ربّهم فانكشف له السرّ في رؤيا الليل. عاد دانيال إلى الملك وأبان له الحلم وتفسيره، فسقط "نبوخذ نصّر على وجهه وسجد لدانيال، وأمر أن تُقرَّب له تقدمة وبخور رضى". واعترف الملك بأن إله دانيال إله الآلهة حقاً وربّ الملوك... (دانيال46:2...). ثم أعطاه هدايا عظيمة كثيرة وسلّطه على كل إقليم بابل وجعله رئيساً أعلى على جميع حكماء بابل. كما وُلّي شدراخ وميشاخ وعبدناغو بناء لطلب دانيال على شؤون إقليم بابل.
تمثال الذهب وأتّون النار: بعد ذلك بزمن نصب نبوخذ نصّر تمثالاً من الذهب وأمر أن يسجد له جميع الناس فأطاعه الخلق كلهم. ولكن وشى الكلدانيون بالفتية الثلاثة إنهم لم يذعنوا. فأرسل الملك في طلبهم غاضباً وهدّد بإلقائهم في وسط أتّون النار المتّقدة إن لم يفعلوا. فأبى الثلاثة أن يسجدوا لغير إلههم وأسلموا لربّهم. إذ ذاك أمر الملك بإحماء النار سبعة أضعاف وإلقاء الثلاثة فيها وهم في سراويلهم وأقمصتهم وأرديتهم وألبستهم. فمن لظى النار احترق الذين أتوا بالثلاثة إلى الأتّون. كان الثلاثة موثقين. وعوض أن تلتهم ألسنة اللهب الفتية نزل ملاك الرب إلى الأتّون وطرد لهيب النار وجعل في وسط الأتّون ما شبه نسيم الندى المنعش فلم تمسّهم النار البتّة، لا هم ولا ألبستهم، فأنشدوا وسبّحوا وباركوا الله. أما عازريا فتفوّه بكلام طالما ردّدته الألسن في الكنيسة على مدى الأجيال لأنه تخطى الفتية الثلاثة إلى كل شعب الله: "...يا رب إله آبائنا... عادل أنت في كل ما صنعت بنا... قد أخطأنا وأثمنا وابتعدنا عنك... ولم نسمع لوصاياك ولم نحفظها ولم نعمل بما أمرتنا به لكي يكون لنا الخير... فكل ما صنعته بنا... إنما صنعته بحكم حق. فأسلمتنا إلى أيدي أعداء آثمة... والآن فليس لنا أن نفتح فمنا لأننا صرنا خزياً وعاراً نحن عبيدك... ولكن لا تخذلنا إلى الغاية من أجل اسمك... من أجل إبراهيم صفيِّك واسحق عبدك وإسرائيل قدّيسك... لم يعد لنا في هذا الزمان رئيس ولا نبيّ ولا مدبّر ولا محرقة ولا ذبيحة ولا قربان ولا بخور... لكي ننال رحمتك... لكن اقبلنا لانسحاق نفوسنا وتواضع أرواحنا... فإنه لا خزي للذين يتوكّلون عليك. إننا نتبعك اليوم بكل قلوبنا ونتّقيك ونبتغي وجهك فلا تخزنا... أعط يا رب مجداً لاسمك. ليخز جميع الذين أروا عبيدك المساوئ... وليعلموا أنك أنت هو الرب الإله وحدك..." وأما الثلاثة معاً فلما لم تسؤهم النار ولم تزعجهم، فقد سبّحوا وباركوا ودعوا الخليقة كلها المنظورة وغير المنظورة إلى التسبيح معهم، أعمال الرب وملائكة الرب وسماوات الرب، والشمس والقمر والنجوم، والبرْد والحرّ والندى، والبرق والسحاب، والليل والنهار، والجبال والتلال، والبحار والأنهار، والحيتان والطيور، والبهائم والوحوش، وكل بني البشر، وإسرائيل، وكهنة الرب، وأرواح ونفوس الصدّيقين والقدّيسين المتواضعي القلوب. "لأنه أنقذنا من الجحيم وخلّصنا من يد الموت...". وكان، بعد ذلك، أن دُهش نبوخذ نصّر لما حدث لا لأن النار لم تحرق الفتية الثلاثة ولا غيّرت ألبستهم ولا لصقت بهم رائحة النار وحسب، بل لمنظر عجيب شهد له قائلاً: "ألم نكن ألقينا ثلاثة رجال في وسط النار وهم موثقون... إني أرى أربعة رجال مطلقين يتمشّون في وسط النار... ومنظر الرابع يشبه ابن الله". (دانيال24:3 وما يتبعها). ثم إن نبوخذ نصّر أعطى الفتية الثلاثة الأمان وبارك إلههم قائلاً: "تبارك إله شدراخ وميشاخ وعبدناغو الذي أرسل ملاكه وأنقذ عبيده الذين توكّلوا عليه وخالفوا أمر الملك وبذلوا أجسادهم لئلا يعبدوا ويسجدوا لإله غير إلههم... فمن إله آخر يستطيع أن ينجّي هكذا... فما أعظم آياته وما أقوى عجائبه! إن ملكوته ملكوت أبدي وسلطانه إلى جيل فجيل".
حلم الشجرة العظيمة: ثم كان بعد حين أن عاين نبوخذ نصّر حلماً آخر أقلقه. رأى شجرة عظمت حتى بلغ ارتفاعها السماء ثم نزل "ساهر قدّيس" فقطعها إلا أصلها في الأرض. والشجرة كانت بشراً أُعطي قلب وحش سبعة أزمنة. وجيء بدانيال مفسِّراً فاستفظع الحلم وخشي البوح بتفسيره إلا بعد الأمان. والكلام كان أن نبوخذ نصّر هو تلك الشجرة. فقد زادت عظمته وبلغ السماء وسلطانه أقصى الأرض، فاستكبر، والله مزمع أن يزيل عنه المُلك ويطرده من بين الناس ويُسكنه بين الوحوش ثم يردّ له عقله ويستردّه بين الناس ويعيد إليه ملكه ليتعلم أن من سار بالكبرياء فهو قادر على إذلاله (34:4) وأن المُلك لله "يجعله لمن يشاء... وجميع سكان الأرض يُحسبون كلا شيء أمامه". وقد حدث كما تفوّه دانيال وتعلّم الملك درساً قائلاً: "باركت العليّ وسبّحت وعظّمتُ شأن الحي للأبد الذي سلطانه سلطان أبدي وملكه إلى جيل فجيل" (31:4).
يد خفية وكلام: وحلّ بلطشصّر في المُلك محل نبوخذ نصّر فترفّع هو أيضاً على ربّ السماء فكانت له هذه الحادثة ضربة قاضية: دعا، مرة، ألفاً من عظمائه وشرب هو وعظماؤه ونساؤه وسراريه خمراً بآنية الذهب والفضّة التي أخرجها نبوخذ نصّر من الهيكل الذي بأورشليم. للحال ظهرت أصابع يد إنسان وكتبت تجاه المصباح على كلس حائط قصر الملك والملك ينظر طرف اليد التي تكتب. فتغيرت سحنة الملك وروّعته هواجسه واصطكّت ركبتاه. ولما طلب العرّافين والكلدانيين والمنجّمين ليفسِّروا له الكتابة أخفقوا إلا دانيال الذي قال له لأنه ترفّع قلبه واستعمل آنية بيت الرب لشرب الخمر ولم يُعظّم الذي في يده كل نسمة وعنده جميع سبل الناس، لذلك يحصي الله أيام مُلك بلطشصّر وينهيها ويقسم المملكة ويسلمها إلى ميديا وفارس. وكان كما قال دانيال، وقُتل الملك في تلك الليلة عينها.
دانيال في الجب: وأخذ المُلك داريوس الميدي فجعل دانيال أحد وزرائه الثلاثة، وقد فاق دانيال الوزراء والأقطاب جميعاً "لأن روحاً بارعاً كان فيه"، فطلب الحسّاد عليه علّة فلم يجدوا. فالتمسوا من الملك أمراً يمنع فيه الناس من الطلب إلى الآلهة أو الناس إلا إليه تحت طائلة الإلقاء في جبّ الأسود. وقد أقام الحسّاد نظّاراً يراقبون دانيال ليشتكوا عليه. وكان دانيال معتاداً أن يسجد ثلاث مرات في اليوم باتجاه أورشليم ويصلّي لله ويحمده. فلما درى النظّار بأمره نقلوا خبره إلى الملك فاغتم لأنه كان يحبّه، لكنه لأجل الرسوم والأحكام أمر بإلقائه في جبّ السود. وبات الملك ليلته قلقاً. وعند الفجر أسرع إلى جبّ الأسود ونادى بصوت حزين: "يا دانيال، عبد الله الحيّ، هل استطاع إلهك الذي تواظب على عبادته أن ينقذك من الأسود؟" فأجابه دانيال: "أيها الملك، حييت للأبد. إن إلهي أرسل ملاكه فسدّ أفواه السود فلم تؤذني لأني وّجدت بريئاً أمامه.وأمامك أيضاً، أيها الملك، لم أصنع سوءاً". ففرح به الملك فرحاً عظيماً وأمر بإخراجه من الجبّ فلم يوجد فيه أذى لأنه توّكل على إلهه، أما الوشاة فأُلقوا في الداخل فتسلّطت عليهم الأسود وحطّمت عظامهم. وقد أقرّ داريوس بشأن إله دانيال أنه هو "الإله الحي القيّوم للأبد، وملكه لا ينقرض وسلطانه إلى المنتهى. المنقذ المنجّي والصانع الآيات والعجائب في السموات والأرض..." (27:6_28).
وكان دانيال ناجحاً في ملك داريوس وقورش الفارسي معاً.
من أخبار دانيال: إلى ذلك ورد عن دانيال في قصّة سوسنّة الفتاة العبرانية الجميلة التقيّة أنه أنقذها، بما أوتي من حكمة، من عقاب الرجم بالحجارة حتى الموت بعدما اتهمها شيخان من شيوخ إسرائيل، رغبا فيها ولم تذعن لهما، بأنها زنت على زوجها، وهما شاهدان بذلك. كما ورد أن دانيال بيّن لقورش الفارسي أن بال المدعو إلهاً ليس سوى صنم صنع الأيدي وأن كهنة بال يحتالون عليه ليوهموه أن بال يأكل ويشرب، فيما هم الذين يستأثرون، في السر، بما يخصّصه الملك لبال من طعام وشراب كل يوم وهو كثير. كذلك ورد أن دانيال أبطا السجود للتنين الذي كان أهل بابل يعبدونه لما وضع في فمه أقراصاً من الزفت والشحم والشعر فأكلها وانشقّ. وورد أيضاً أنه لما كان دانيال في جبّ الأسود، كان حبقوق النبي في أرض يهوذا وقد طبخ طبيخاً وفتّ خبزاً وذهب به إلى الحقل طعاماً للحصّادين. فأخذه ملاك الرب بقمة رأسه وحمله بشعره ووضعه في بابل عند الجبّ ومعه الطعام. فنادى حبقوق قائلاً: "يا دانيال، خذ الغداء الذي أرسله لك الله!" فقال دانيال: "اللهمّ، لقد ذكرتني، ولم تترك الذين يحبّونك!" وقام دانيال وأكل وردّ ملاك الرب حبقوق من ساعته إلى مكانه.
صورة دانيال والفتية الثلاثة: على هذا تكون الصورة التي يعكسها دانيال والفتية الثلاثة القدّيسون صورة شعب عرف خطيئته وتاب عنها وتمسّك بالأمانة لإلهه كما منذ القديم، وليس يقبل أن يكون به مشركاً ولا تغيره عنه خيرات الملوك والأمم، ولا أطايب الدنيا. أن يكون في الذلّ في العالم ولكن أميناً لربّه خير له من أن يكون في عز الممالك من دون ربّه.به يجاهر بجرأة ولا يداور. حوله رب الأرباب وملك الملوك ولا يرتفع بإزائه رأس. معلّم الحكمة وسيد العطايا وحافظ خائفيه. ولا غرو فدانيال الاسم معناه "الله قاضيّ". كل هذا يأتي بعدما ضلّ إسرائيل سواء السبيل وفرّط بإلهه حتى سباه ربّه إلى بابل لينقّي بالألم والنار زغله ويمدّه، من جديد، إلى المسيح الآتي وأورشليم الجديدة وأواخر الدهور.
نبوءات دانيال: تنتمي نبوءات دانيال إلى ما هو معروف بالأدب الرؤيوي. فبين الإصحاح السابع والإصحاح الثاني عشر أربع نبوءات فيها الكثير عن تتالي الممالك ومجيء ابن الإنسان والأزمنة الأخيرة بعض مما نقرأه في سفر دانيال نلقاه هنا وهناك في أسفار العهد الجديد لاسيما في سفر الرؤيا. دونك كلمة عن كل من هذه النبوءات: النبوءة الأولى: وهي رؤيا الحيوانات الأربع وقديم الأيام وابن الإنسان (الإصحاح7) وهي موازية لحلم التمثال العظيم الذي عاينه نبوخذ نصّر (الإصحاح2). تتناول بصورة أساسية، تتالي الممالك من بابل إلى مادي وفارس إلى الإسكندر المقدوني وخلفائه إلى ابن الإنسان ذي السلطان الأبدي الذي لا يزول. وفيها صورة قديم الأيام كما استعارها سفر الرؤيا: "لباسه أبيض كالثلج وشعر رأسه كالصوف النقي وعرشه لهيب نار... وتخدمه ألوف ألوف وتقف بين يديه رِبوات رِبوات".
النبوءة الثانية: وهي رؤيا الكبش والتيس، الكبش الذي يمثّل ملوك ميديا وفاس، والتيس الذي يمثّل الإسكندر المقدوني وخلفائه (الإصحاح8).
النبوءة الثالثة: نبوءة الأسابيع السبعين (الإصحاح9). هذه تتضمن صلاة دانيال بالصوم والمسح والرماد توبة عن نفسه وعن شعب إسرائيل على غرار صلاة عازريا، كما تتضمن قولة جبرائيل الملاك عن الوقت المحدّد من الله على إسرائيل وأورشليم لإفناء المعصية وإزالة الخطيئة والتكفير عن الإثم والإتيان بالبر الأبدي.
النبوءة الرابعة: وهي الرؤيا العظمى التي تشتمل على ما يحدث بين الممالك مروراً بأنطيوخوس أبيفانيوس المدعو "الحقير" الذي فتك بإسرائيل ودنّس الهيكل، وإلى آخر الأزمنة. وفيها كلام يعتبر من أهم الكلام على قيامة الجسد في نصوص العهد القديم. "وكثير من الراقدين في أرض التراب يستيقظون، بعضهم للحياة الأبدية وبعضهم للعار والرذل الأبدي..." (2:12‑3).
دانيال والفتية الثلاثة في العبادة: لدانيال والفتية الثلاثة في عبادتنا مكانة مرموقة. فنحن نذكرهم في أحد الأجداد (11-17 كانون الأول) وكذلك في أحد النسبة (17-24 كانون الأول). لماذا تعيّد لهم الكنيسة في 17 كانون الأول وفي أحد الأجداد رغم قرب العيدين أحدهما من الآخر؟ السبب نجده في الكنيسة الكبرى في القسطنطينية حيث كان العيد أصلاً في 17 كانون الأول ولكن جرت العادة هناك على نقله إلى أقرب أحد إليه. دانيال نذكره بخاصة لأقواله عن مجيء السيّد بين الناس، والفتية الثلاثة لوطئهم آتون النار وإقامة ابن الله معهم رمزاً لتجسّده وسكناه في الناس وقيامته من بين الأموات وشركة المؤمنين في القيامة. هذا وتحتل صلاة عازريا وتسبحة الفتية الثلاثة القدّيسين التسبحتين السابعة والثامنة من صلاة السحر في الصوم الكبير. ولنا بدانيال ورفقته صورة طالما استعان بها المنشدون الكنسيون، هنا وثمة، لاسيما في ما خصّ إكرام والدة الإله. دونك هذه الأنشودة مثلاً: "ليكرّم الآن دانيال العظيم في الأنبياء. لأنه قد عاين المسيح إلهنا. حجراً مقتطعاً من جبل. أعني من والدة الإله النقية. وليُمدَح معه الثلاثة الفتية الذين خلّصهم من نار الأتّون بدون مضرّة. رسمُ البتول الإلهي الغامض الوصف. الذي خلص العالم".